الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - الأسباب السياسية لهجرة الكفاءات:

            هناك جملة من الأسباب السياسية التي تدفع الكفاءات العلمية والمهنية والفنية إلى ترك البلد الأصلي والانتقال إلى بلد المهجر، وأبرز تلك الأسباب السياسية ما يلي [1] :

            1- القمع والاستبداد السياسي:

            يمثل الاضطهاد السياسي القائم على خلفيات ثقافية أو عرقية أو حزبية أو فئوية، وكذلك كبت الحريات الفكرية من أبرز الأسباب الرئيسة لهجرة الكفاءات العلمية، فكثير من الحركات التحررية والوطنية لم تتح لها الفرصة في أن تمارس نشاطها في البلاد الأصلية، ولم تستطع إثبات وجودها وتفعيل قدراتها إلا بعد الهجرة، ذلك أن القمع والاستبداد السياسي الذي تمارسه بعض أنظمة الحكم في البلدان النامية وانعدام الحقوق السياسية للمواطن، كلها كانت عوامل تشجع الهجرة وتدفع إليها، فالواقع يثبت أن الكثير من الكفاءات العربية هاجرت بسبب عدم انسجامها وتوافقها مع المناهج التي تتخذها أنظمة الحكم للإمساك بدفة الحكم.

            إن عدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول العربية والإسلامية، ابتداء من الاضطهاد وانعدام الحقوق السياسية، ومرورا بالاعتقال دون قوانين واضحة وكبت الحريات، وختاما بالتصفيات الجسدية جعلت المواطن في تلك الدول وخاصة صاحب الكفاءة العلمية يفكر في الهجرة ويسعى إليها للتخلص من هذا الكبت والاضطهاد. [ ص: 187 ]

            والمتابع لطبيعة وأوضاع المهاجرين يجد أن أكثر العلماء المهاجرين ينتمون إلى دول غير مستقرة سياسيا بسبب وجود نزاعات عرقية أو طائفية أو مذهبية، أو بسبب عدم التوافق إيديولوجيا مع النظام القائم في بلده مما يدفعه إلى البحث عن وطن يهاجر إليه

            [2] .

            2- المحسوبية في تبوء المناصب:

            تعتبر المحسوبية أسوأ وأخطر أنواع الفساد الإداري والسياسي، لأنها تعني محاباة شخص أو جهة ما على شخص أو جهة أخرى في تقديم فائدة معينة كان من الأولى أن تذهب إلى من هو أحق بـها من الباقين، وكان أبرز معـالمها القيـام بإسناد الوظائف المرموقة لأبناء الشخصيات المعروفة أو لأصحاب انتماءات معينة، وينتج عن ذلك عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، الأمر الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى استبعاد الكفاءات العلمية والمهنية من مركز القرار الإداري أو السياسي، وهذا يعني أنه لم يعد التعليم والشهادة والكفاءة هي التي تحكم آلية الاختيار والتنافس، وإنما يتم ذلك عن طريق العلاقات والارتباطات الاجتماعية والفئوية.

            وبهذا تكون المحسوبية مرض خطير ينهش الوطن، ويضيع ثرواته ويبدد أمواله، ويقتل روح المنافسة، ويؤدي إلى عدم تحمل المسؤولية. [ ص: 188 ]

            وبناء على ذلك يربط كثير من الباحثين بين انتشار قيم الفساد وعدم الكفاءة, وانتشار ظاهرة المحسوبية والمحاباة، وبين هجرة الكفاءات العلمية والفنية، لأن تلك الكفاءات لا تتمكن من تبوء المناصب القيادية في الجوانب الإدارية أو السياسية بسبب عدم توفر المحسوبية والمحاباة لديهم، الأمر الذي يضطرهم إلى ترك أوطانهم الأصلية والانتقال إلى بلاد المهجر.

            وقد لعبت المحسوبية دورا حاسما في التقدم الوظيفي في المجتمعات العربية، أما التقدم العلمي فهو أمر هامشي بالمقارنة بالمحسوبية التي أوجدت نوعا من عدم التوازن الاجتماعي في المجتمع، ولذلك فإن عدم تحقيق العدالة الاجتماعية بالصورة المطلوبة دفع بالكفاءات العلمية للبحث عن دور لها في بلاد المهجر، مما جعلها تتجه نحو العالم الخارجي المتقدم باحثة لها عن مكان لم تجده في مجتمعاتها.

            3- الاستقطاب الطائفي والتوظيف السياسي:

            الطائفية نهج سياسي يقصد به توظيف المذهب أو العرق أو الجنس لهدف سياسي ومطمع شخصي، وهي بالنتيجة حالة انتهاز سياسي من قبل ساسة وأطراف بعينها تريد أن تصبغ أطماعها السياسية بالدفاع عن حقوق الطائفة أو العرق أو الملة أو اللغة واللسان

            [3] ، وبذلك تكون الطائفية حالة [ ص: 189 ] من الانكفاء على الذات والاعتداد بها تهدف إلى الاستحواذ على كل شيء وإقصاء الآخرين وتهميشهم ورفض التعايش معهم، بناء على اعتبارات دينية أو مذهبية أو سياسية.

            هذا الاستقطاب الطائفي إنما هو عامل من عوامل هدم العلاقة مع الآخرين، وتقويض لعرى التواصل والتكامل بين بني البشر، وينتج عنه بروز الطائفية السياسية التي تأخذ شكل التعصب وعدم الاعتراف بالآخر ومحاولة إقصائه وتهميشه من قبل أشخاص وأطراف همهم الوحيد تحقيق مكاسب شخصية أو فئوية على حساب المكونات الأخرى للمجتمع.

            ومن أبرز سلبيات هذا الاستقطاب الطائفي الفشل في بناء الأمة وإدارة الدولة، فقد أثبتت الأحداث التي تعيشها بعض بلدان العالم الإسلامي أن انتشار داء الطائفية يعد أكبر عائق في بناء الدولة وتنظيم أعمالها، بسبب الاستقطاب الطائفي والبحث عن مصلحة الفئة قبل مصلحة الأمة، ذلك أنه غالبا ما يتم استغلال الطائفية سياسيا، فيؤدي ذلك إلى عدم استقرار وأمن المجتمع، في حين أن الأمة بحاجة إلى دولة يشعر فيها الجميع بأنهم مواطنون، ولا يشعرون بأنهم أتباع مذاهب أو طوائف أو أي انتماء آخر.

            وقد أثبتت التجارب التي تمر بها بعض المجتمعات المعاصرة فشل النظام الطائفي في إقامة دولة حديثة، ففي لبنان تم اعتماد كيان سياسي يعتمد المحاصصة بين الطوائف والأديان فغابت لديهم الهوية الوطنية، وسعت كل فرقة ومذهب إلى زيادة غلتها من الغنائم والمكاسب لأتباعها وليس لعموم المواطنين. [ ص: 190 ]

            - عوامل الجذب للكفاءات العلمية:

            وبعد هذا التفصيـل في ذكر أسباب هجرة الكفاءات العلمية موزعة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، نشير هنا إلى أن هناك حوافز وعوامل جذب لهجرة العقول والخبرات العلمية إلى بلاد المهجر، يمكن إجمالها بما يلي:

            1- ارتفاع مستويات الأجور في بلاد المهجر، لتحقيق مستوى معيشي لائق ومقبول لها ولأسرتها.

            2- اعتماد التقدم العلمي هو المعيار الأساسي للتوظيف والمنافسة.

            3 - الاهتمام بتطوير التعليم والبحث العلمي ومنح الحوافز الكافية للبحث والتطوير، من خلال وجود أنظمة تعليمية حديثة ومتطورة تفتقدها الأوطان الأصلية.

            4- الاستقرار السياسي وحرية الفكر والبحث وممارسة المهنة، بما يوفر المناخ المـلائم للبحث العـلمي والدراسة الأكاديمية المتخصصـة، وتوافر ما يحتاجه الباحث من الاستقرار والأجواء العلمية المواتية.

            5- التشجيع الذي تمنحه الدول المتقدمة لجذب الكفاءات إليها من توفير الموارد المالية الضخمة التي تمكنها من توفير فرص عمل مجزية . [ ص: 191 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية