1- في الدلالة اللغوية:

الفرق بين البعث والابتعاث والهجرة، نظرة في المصطلح:

هناك حقول دلالية متقاربة، في سياق الحديث عن هجرة العقول؛ هي الهجرة، والبعث والابتعاث، فرار العقول، ونزيف الأدمغة، وهجرة الرؤوس وهجرة الكفاءات وهجرة العقول.

وأهم الكلمات المستعملة البعث والابتعاث، فالفعل بعث يبعث والفعل ابتعث يبتعث فعلان يدلان على معنى اتخاذ فلان فلانا مبعوثا، أي ابتعثه اتخذه مبعوثا له، مثل افترش الأرض اتخذها فراشا، وبعثه يبعثه بعثا أرسله وحده وبعث به أرسله مع غيره وابتعثه أيضا أي أرسله فانبعث، والبعث الرسول والجمع بعثان والبعث بعث الجند إلى الغزو، والبعث القوم المبعوثون المشخصون. ويقال هم البعث، بسكون العين ^[1] .

غير أن الفعل بعث يدل على إرسال مطلق غير مقيد، نقول: بعثه يبعثه بعثا أرسله وحده، وبعث به أرسله مع غيره، وابتعثه أيضا أي أرسله، وهو قليل، و المرسل يسمى مبعوثا و بعيثا. بيد أن القياس الصرفي في الفعل ابتعث يقتضي أن يكون الابتعاث إرسالا مقيدا لا إرسالا مطلقا، خلافا للفعل المجرد "بعث"، والمقصود بالإرسال المقيد أن المرسل يتخذ المرسل مبعوثا خاصا له، أو أن الجهة المرسلة كالمؤسسة أو الجامعة تتخذ من المبعوث [ ص: 134 ] مرسلا لها حتى إذا تخرج عاد إليها ليرد الدين و يؤدي الخدمة التي في عنقه أو يرد ما في ذمته من خدمة. فالمبعوث مرسل من قبل جهة مرسلة وكفى، أما المبتعث فيضمن له أنه مرسل على شرط العودة والإفادة.

أما الهجر فهو ضد الوصل؛ هجره يهجره هجرا وهجرانا صرمه وهما يهتجران ويتهاجران، والاسم الهجرة والمهاجرة. وأصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من باديته إلى المدن، يقـال هاجر الرجل إذا فعل ذلك، وكذلك كل مخل بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه. وسمي المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشؤوا بها لله ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة. فكل من فارق بلده من بدوي أو حضري وسكن بلدا آخر فهو مهاجر والاسم منه الهجرة.

ويظهر من الفرق بين البعث والابتعاث والهجرة أن البعث والابتعاث فعل خارجي يتعدى الباعث إلى المبعوث به، لأغراض ومنافع وغايات تتصل بهما أو بأحـدهما. أما الهـجرة فهي فعل داخلي يفعله المهاجر من تلقاء نفسه لمانـع يمنعه من المكث والبقاء ببلده، وذلك لجلب مصلحة لا تحصل إلا بالهجرة ودفع مضرة لا تدفعها إلا الهجرة.

هذا، وقد تكون الهجرة ظاهرة صحية طبيعية تتصل بضرورات الحياة، كمهاجرة أسباب الضرر ونفاد المنافع إلى موارد الرزق، ومنها هجرة العمال إلى أماكن العمل، وهجرة الطيور إلى أماكن الدفء، وهجرة الحيوانات إلى مواطن الكلأ والماء. [ ص: 135 ]

- الهجرة ظاهرة بشرية قبل أن تكون نزيفا بشريا:

الهجرة ظاهرة قديمة قدم البشرية على الأرض، ولكنها أخذت تتنامى عبر التاريخ وتتخذ أشكالا مختلفة تبعا للظروف والبواعث التي دفعت إليها.

فالهجرة لا تعد ظاهرة جديدة، ولكنها أخذت في التسارع في العقود الأخيرة لتصبح جزءا من عملية التكامل العالمي، وأصبحت أنماط الهجرة تعبر عن التغيرات التي طرأت على العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين دول العالم، وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن المهاجرين في مختلف أنحاء المعمورة بلغوا سنة 1990م نحو ثمانين مليون مهاجر، ربع العدد منهم من اللاجئين، ولا شك أن هذه الأعداد ستتزايد في أوائل القرن الحادي والعشرين، حتى إن بعض علماء الاجتماع أطلقوا على عصرنا مصطلح "عصر الهجرة"

^[2] .

وتؤدي حركات الهجرة إلى تنوع الأجناس والثقافات في كثير من المجتمعات المهاجر إليها، وتسهم في إعادة تشكيل الأوضاع السكانية والاقتصادية والاجتماعية. بل أصبح ارتفاع نسبة الهجرة العالمية منذ الحرب [ ص: 136 ] العالمية الثانية، وخلال العقدين الأخيرين، قضية سياسية مهمة في كثير من البلدان؛ وأصبح تصاعد الهجرة إلى أوربا يدعو إلى إعادة النظر في الهوية الوطنية ومعنى المواطنة.

درج الباحثـون على تقسيـم الهجـرات إلى أربعة نمـاذج لوصف الحركات السكانية العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أولها النموذج التقليدي المألوف، ويصدق على بلدان مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا، وهي دول نشأت في سياق حركات هجرة الشعوب، وقامت بتشجيع الهجرة واجتذابها.

أما النموذج الثاني فهو النموذج الاستعماري، وتمثله بريطانيا وفرنسا اللتان تفضلان المهاجرين الوافدين من مستعمرات الأمس التي ما زالت تدور في فلكها لغويا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، دون غيرهم.

أما النموذج الثالث فهو نموذج العمال الضيوف، حيث تستقبل دول أوربية كسويسرا وبلجيكا وألمانيا، المهاجرين بموجب سياسات وخطط، فيتم قبولهم على أساس مؤقت لتلبية حاجات سوق العمل، من غير أن يتمتعوا بحقوق المواطنة وإن طال استقرارهم ببلد المهجر.

أما النوع الرابع فهو نموذج الهجرة غير الشرعـية، التي انتشرت بعد اشتداد قيود الهجرة، فأخذ المهاجرون يتسللون من المنافذ البرية والمعابر البحرية في قوارب الموت، بمساعدة شركات سرية وعصابات تهريب بشـري، فيقيم المهاجرون بصورة غير قانونية في أماكـن بعيدة عن أعين السلطات الرسمية، ويعانون الاستغلال والظلم والإهانة من مشغليهم. [ ص: 137 ]

1- في الدلالة اللغوية:

الفرق بين البَعْث والابتعاث والهجرَة، نظرة في المُصطلَح:

هُناكَ حُقول دلالية متقاربة، في سِياقِ الحَديثِ عن هجرةِ العُقولِ؛ هي الهجرةُ، والبعثُ والابتعاث، فرارُ العُقول، ونزيفُ الأدمغة، وهجرةُ الرؤوس وهجرةُ الكفاءات وهجرةُ العُقول.

وأهمّ الكلماتِ المُستعْمَلَة البَعْثُ والابْتعاثُ، فالفعلُ بَعَثَ يبعَثُ والفعلُ ابتعَثَ يبتعثُ فعلان يَدلاّن على معنى اتّخاذِ فلانٍ فلانًا مبعوثًا، أي ابتعثَه اتّخَذَه مبعوثًا له، مثل افترشَ الأرضَ اتّخذَها فِراشًا، وبَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا أَرْسَلَهُ وَحْدَه وبَعَثَ به أَرسله مع غيره وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله فانْبعَثَ، والبَعْثُ الرسولُ والجمع بُعْثانٌ والبَعْثُ بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو، والبَعَثُ القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ. ويُقالُ هم البَعْثُ، بسُكون العين ^[1] .

غيرَ أنّ الفعلَ بعثَ يدلُّ على إرسالٍ مُطلَقٍ غير مُقيَّد، نقولُ: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ به أَرسله مع غيره، وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله، وهو قليلٌ، و المُرْسَلُ يُسمّى مَبْعوثًا و بَعيثًا. بيدَ أنّ القياسَ الصّرفيّ في الفعل ابْتعَثَ يقتضي أن يكونَ الابتعاثُ إرسالًا مُقيَّدًا لا إرسالًا مُطلَقًا، خلافًا للفعلِ المُجرَّدِ "بَعَثَ"، والمَقصودُ بالإرسالِ المُقيّد أنّ المُرسِلَ يتّخذُ المُرسَلَ مبعوثًا خاصًا له، أو أنّ الجهةَ المرسِلَةَ كالمؤسسةِ أو الجامعةِ تتخذُ من المبعوثِ [ ص: 134 ] مُرسَلًا لَها حتّى إذا تخرّجَ عاد إليْها ليردّ الدّيْنَ و يُؤدّيَ الخدمةَ التي في عُنُقِه أو يردّ ما في ذمّتِه من خدمةٍ. فالمبعوث مُرسَل من قِبَل جهةٍ مُرسِلَةٍ وكَفى، أمّا المُبتعَثُ فيُضمَن لَه أنّه مرْسَلٌ على شرطِ العودَة والإفادَةِ.

أمّا الهَجْرُ فهو ضدّ الوصل؛ هَجَره يَهْجُرُه هَجْرًا وهِجْرانًا صَرَمَه وهما يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ، والاسم الهِجْرَةُ والمُهاجَرَة. وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلى المُدنِ، يقـال هاجَرَ الرجلُ إِذا فَعلَ ذلكَ، وكذلك كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلى قوم آخرين بِسُكناهُ فقد هاجَرَ قومَه. وسمي المهاجِرون مُهاجِرِين لأَنهم تَركوا ديارَهم ومَساكنَهم التي نَشَؤُوا بها لله ولَحِقُوا بدار ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة. فكل مَن فارَقَ بَلدَه من بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ وسَكَنَ بَلدًا آخَرَ فهو مُهاجِرٌ والاسم منه الهِجْرة.

ويظهرُ من الفرقِ بين البعثِ والابْتعاثِ والهجرةِ أنّ البَعْثَ والابتعاثَ فعلٌ خارجيٌّ يتعدّى الباعثَ إلى المبعوث بِه، لأغراضٍ ومَنافعَ وغاياتٍ تتّصلُ بهما أو بأحـدِهِما. أمّا الهـجرةُ فهي فعلٌ داخليٌّ يفعلُه المُهاجرُ من تلقاءِ نفسِه لمانـعٍ يمنَعُه من المُكثِ والبَقاءِ ببلدِه، وذلكَ لجلبِ مَصلحةٍ لا تحصلُ إلاّ بالهجرةِ ودَفْع مضرّةٍ لا تدفعُها إلاّ الهجرةُ.

هذا، وقد تكونُ الهجرةُ ظاهرةً صِحِّيّةً طبيعيةً تتصلُ بضرورات الحَياةِ، كمُهاجرَة أسباب الضرر ونفاد المنافع إلى موارد الرزق، ومنها هجرة العُمّال إلى أماكن العمل، وهجرة الطيور إلى أماكن الدفء، وهجرة الحيوانات إلى مواطن الكلأ والماء. [ ص: 135 ]

- الهجرةُ ظاهرةٌ بشريّةٌ قبلَ أن تكونَ نزيفًا بشريًا:

الهجرةُ ظاهرةٌ قَديمةٌ قِدَمَ البشريّةِ على الأرضِ، ولكنّها أخذت تَتنامى عبر التّاريخ وتتّخذُ أشكالًا مختلفةً تبعًا للظّروفِ والبَواعثِ التي دَفَعَت إليْها.

فالهجرةُ لا تُعدّ ظاهرةً جَديدةً، ولكنّها أخذَت في التّسارُعِ في العُقودِ الأخيرةِ لتُصبحَ جزءًا من عمليةِ التّكامُلِ العالَميّ، وأصبحَت أنماطُ الهجرةِ تُعبِّرُ عن التّغيّرات التي طرأت على العَلاقاتِ الاقتصاديّةِ والسياسيّةِ والثّقافيّةِ بينَ دولِ العالَم، وتُشيرُ الأرقامُ والإحصاءاتُ إلى أنّ المُهاجِرينَ في مُختلفِ أنحاءِ المَعْمورةِ بَلَغوا سنةَ 1990م نَحْوَ ثَمانينَ مليون مُهاجرٍ، رُبُعُ العَدَدِ منهُم من اللاّجئينَ، ولا شكّ أنّ هذه الأعدادَ ستتزايدُ في أوائلِ القرنِ الحادي والعِشْرينَ، حتّى إنّ بعْضَ عُلماءَ الاجتماعِ أطْلَقوا على عصْرِنا مُصطلَحَ "عصر الهِجْرَةِ"

^[2] .

وتُؤدّي حَرَكاتُ الهجرةِ إلى تنوّعِ الأجناسِ والثّقافاتِ في كثيرٍ من المُجتَمعاتِ المُهاجَرِ إليْها، وتُسهمُ في إعادةِ تشكيلِ الأوضاعِ السّكّانيّةِ والاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ. بل أصْبَحَ ارتفاعُ نسبةِ الهجرَةِ العالميّةِ منذُ الحربِ [ ص: 136 ] العالَميّةِ الثّانيةِ، وخلالِ العقدَيْنِ الأخيرَينِ، قضيّةً سياسيّةً مهمّةً في كَثيرٍ من البُلدانِ؛ وأصبحَ تَصاعُدُ الهجرةِ إلى أوربّا يدعو إلى إعادَة النّظرِ في الهويةِ الوطنيّةِ ومَعْنى المُواطَنَةِ.

دَرَجَ الباحثـونَ على تَقْسيـمِ الهجـراتِ إلى أربَعَةِ نَمـاذجَ لوصفِ الحَرَكاتِ السّكّانيّةِ العالَميّةِ منذُ نهايةِ الحربِ العالميّةِ الثّانيّةِ، أوّلُها النّموذجُ التّقليديُّ المألوفُ، ويصدُقُ على بلدانٍ مثلِ كَنَدا والولاياتِ المُتّحدَةِ وأستُراليا، وهي دولٌ نشأت في سياقِ حركاتِ هجرةِ الشّعوبِ، وقامَت بتشجيعِ الهجرَةِ واجْتذابِها.

أمّا النّموذجُ الثّاني فهو النّموذجُ الاستعماريُّ، وتمثّلُه بريطانيا وفَرنْسا اللّتانِ تُفضّلانِ المُهاجرينَ الوافِدين من مُستعمراتِ الأمسِ التي ما زالَت تدورُ في فلَكِها لغويًّا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًّا، دونَ غيرِهم.

أمّا النّموذجُ الثّالثُ فهو نَموذجُ العُمّال الضّيوفِ، حيثُ تستقبلُ دولٌ أوربيّةٌ كسويسرا وبلجيكا وألمانيا، المُهاجِرينَ بموجبِ سياساتٍ وخطَطٍ، فيتمُّ قَبولُهم على أساسٍ مؤقّتٍ لتلبيةِ حاجاتِ سوقِ العَملِ، من غيرِ أن يتمتّعوا بحُقوقِ المُواطَنَةِ وإن طالَ استقْرارُهم ببَلدِ المَهْجَرِ.

أمّا النّوعُ الرّابعُ فهو نموذَجُ الهجرةِ غيرِ الشّرعـيّةِ، التي انتشرَت بعدَ اشتدادِ قُيودِ الهجرةِ، فأخذَ المُهاجرونَ يتسلّلونَ من المَنافذِ البرّيّةِ والمَعابرِ البحريّةِ في قَواربِ الموتِ، بمُساعدَةِ شركاتٍ سرّيّةٍ وعصاباتِ تَهريبٍ بشـريٍّ، فيُقيمُ المُهاجرونَ بصورةٍ غيرِ قانونيّةٍ في أماكـنَ بعيدةٍ عن أعيُن السّلطاتِ الرّسميّةِ، ويُعانونَ الاستغلالَ والظّلمَ والإهانةَ من مُشغِّليهم. [ ص: 137 ]