باب القيام بالشهادة والعدل
قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ومعناه : كونوا قوامين لله بالحق في كل ما يلزمكم القيام به من الأمر بالمعروف والعمل به والنهي عن المنكر واجتنابه ، فهذا هو القيام لله بالحق .
وقوله : شهداء بالقسط يعني بالعدل ؛ قد قيل في الشهادة إنها الشهادات في حقوق الناس ، روي ذلك عن ؛ وهو مثل قوله : الحسن كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم وقيل : إنه أراد الشهادة على الناس بمعاصيهم ، كقوله تعالى : لتكونوا شهداء على الناس فكان معناه : أن كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله بأن مثلهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة .
وقيل : أراد به الشهادة لأمر الله بأنه الحق . وجائز أن تكون هذه المعاني كلها مرادة لاحتمال اللفظ لها قوله تعالى : ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا روي أنها نزلت في شأن اليهود حين ذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستعينهم في دية ، فهموا أن يقتلوه . وقال : " نزلت في الحسن قريش لما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام " . قال : قد ذكر الله تعالى هذا المعنى في هذه السورة في قوله : أبو بكر ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فحمله على معنى الآية الأولى ، والأولى أن تكون نزلت في غيرهم وأن لا تكون تكرارا . الحسن
وقد تضمن ذلك الأمر بالعدل على المحق والمبطل ، وحكم بأن كفر الكافرين وظلمهم لا يمنع من العدل عليهم ، وأن لا يتجاوز في قتالهم وقتلهم ما يستحقون ، وأن يقتصر بهم على [ ص: 40 ] المستحق من القتال والأسر والاسترقاق دون قصدا لإيصال الغم والألم إليهم . المثلة بهم وتعذيبهم وقتل أولادهم ونسائهم
وكذلك قال حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن رواحة خيبر خارصا ، فجمعوا له شيئا من حليهم وأرادوا دفعه إليه ليخفف في الخرص : إن هذا سحت وإنكم لأبغض إلي من عدتكم قردة وخنازير ، وما يمنعني ذلك من أن أعدل عليكم فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض .
فإن قيل : لما قال : هو أقرب للتقوى ومعلوم أن العدل نفسه هو التقوى ، فكيف يكون الشيء هو أقرب إلى نفسه ؟ قيل : معناه : هو أقرب إلى أن تكونوا متقين باجتناب جميع السيئات ، فيكون العدل فيما ذكر داعيا إلى العدل في جميع الأشياء واجتناب جميع المعاصي ؛ ويحتمل : هو أقرب لاتقاء النار . وقوله : هو أقرب للتقوى فقوله : " هو " راجع إلى المصدر الذي دل عليه الفعل ، كأنه قال : العدل أقرب للتقوى ، كقول القائل : من كذب كان شرا له ؛ يعني كان الكذب شرا له .