الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فيه الدلالة على معان :

أحدها : فعل الصلاة على موتى المسلمين وحظرها على موتى الكفار . ويدل أيضا على القيام على القبر إلى أن يدفن ، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يفعله وقد روى وكيع عن قيس بن مسلم عن عمير بن سعد : " أن عليا قام على قبر حتى دفن " .

وروى سفيان الثوري عن أبي قيس قال : " شهدت علقمة قام على قبر حتى دفن " .

وروى جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير : " أن ابن الزبير كان إذا مات له ميت لم يزل قائما حتى ندفنه " . فهذا يدل على أن السنة لمن حضر عند القبر أن يقوم عليه حتى يدفن . ومن الناس من يستدل بذلك على جواز الصلاة على القبر ، وجعل قوله : ولا تقم على قبره قيام الصلاة على القبر ، وهذا خطأ من التأويل ؛ لأنه تعالى قال : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فنهى عن القيام على القبر كنهيه عن الصلاة على الميت عطفا عليه ، فغير جائز أن يكون المعطوف هو المعطوف عليه بعينه .

وأيضا فإن القيام ليس هو عبارة عن الصلاة ، وإنما يريد هذا القائل أن يجعله كناية عنها ، وغير جائز أن تذكر الصلاة بصريح اسمها ثم يعطف عليها القيام فيجعله كناية عنها ، فثبت بذلك أن القيام على القبر غير الصلاة .

وأيضا روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا أبي يا رسول الله قد وضعناه على شفير قبره فقم فصل عليه فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثبت معه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الناس خلفه تحولت وقمت في صدره وقلت : يا رسول الله [ ص: 352 ] على عبد الله بن أبي عدو الله القائل يوم كذا كذا وكذا أعد أيامه الخبيثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتدعني يا عمر إن الله خيرني فاخترت ، فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم الآية ، فوالله لو أعلم يا عمر أني لو زدت على سبعين مرة أن يغفر له لزدت ، ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام على قبره حتى دفن ، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى أنزل الله : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فوالله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من المنافقين ولا قام على قبره بعده فذكر عمر في هذا الحديث الصلاة ، والقيام على القبر جميعا ، فدل على ما وصفنا وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبي ، فأخذ جبريل بثوبه فقال : لا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره

التالي السابق


الخدمات العلمية