الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله فيه إخبار بغلبة المسلمين لليهود الذين تقدم ذكرهم في قوله : وقالت اليهود يد الله مغلولة وفيه دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر به عن الغيب مع كثرة اليهود وشدة شوكتهم ؛ وقد كان من حول المدينة منهم تقاوم العرب في الحروب التي كانت تكون بينهم في الجاهلية ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بظهور المسلمين عليهم ، فكان مخبره على ما أخبر به ، فأجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وبني النضير وقتل بني قريظة وفتح خيبر عنوة وانقادت له سائر اليهود صاغرين حتى لم تبق منهم فئة تقاتل المسلمين .

وإنما ذكر النار هاهنا عبارة عن الاستعداد للحرب والتأهب لها ، على مذهب العرب في إطلاق اسم النار في هذا الموضع ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك قيل : لم يا رسول الله ؟ قال : لا تراءى ناراهما ؛ وإنما عنى بها نار الحرب ، يعني أن حرب المشركين للشيطان وحرب المسلمين لله تعالى فلا يتفقان . وقيل : إن الأصل في العبارة باسم النار عن الحرب ، أن القبيلة الكبيرة من العرب كانت إذا أرادت حرب أخرى منها أوقدت النيران على رءوس الجبال والمواضع المرتفعة التي تعم القبيلة رؤيتها ، فيعلمون أنهم قد ندبوا إلى [ ص: 106 ] الاستعداد للحرب والتأهب لها فاستعدوا وتأهبوا ، فصار اسم النار في هذا الموضع مفيدا للتأهب للحرب . وقد قيل فيه وجه آخر ، وهو أن القبائل كانت إذا رأت التحالف على التناصر على غيرهم والجد في حربهم وقتالهم ، أوقدوا نارا عظيمة ثم قربوا منها وتحالفوا بحرمان منافعها إن هم غدروا أو نكلوا عن الحرب ؛ وقالالأعشى :

وأوقدت للحرب نارا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية