الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم عنى بالدعاء الأول تسميتهم الأصنام آلهة ، والدعاء الثاني طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم ، وذلك ميئوس منهم . وقوله : عباد أمثالكم قيل : إنما سماها عبادا لأنها [ ص: 213 ] مملوكة لله تعالى ، وقيل : لأنهم توهموا أنها تضر وتنفع ، فأخبر أنه ليس يخرج بذلك عن حكم العباد المخلوقين .

وقال الحسن : { إن الذين يدعون هذه الأوثان مخلوقة أمثالكم } . قوله تعالى : ألهم أرجل يمشون بها تقريع لهم على عبادتهم من هذه صفته ؛ إذ لا شبهة على أحد في الناس أن من تبع من هذه صفته فهو ألوم ممن عبد من له جارحة يمكن أن ينفع بها أو يضر وقيل : إنه قدرهم أنهم أفضل منها ؛ لأن لهم جوارح يتصرفون بها والأصنام لا تصرف لها ، فكيف يعبدون من هم أفضل منه والعجب من أنفتهم من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مع ما أيده الله به من الآيات المعجزة والدلائل الباهرة لأنه بشر مثلهم ، ولم يأنفوا من عبادة حجر لا قدرة له ولا تصرف وهم أفضل منه في القدرة على النفع والضر والحياة والعلم .

في العفو والأمر بالمعروف .

قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف روى هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله عز وجل : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال : والله ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة الخلق الحسن .

وروى عطاء عن ابن عمر أنه قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا معاذ بن المثنى وسعيد بن محمد الأعرابي قالا : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق وروي عن الحسن ومجاهد قالا { أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقبل العفو من أخلاق الناس } .

والعفو هو التسهيل والتيسير ، فالمعنى استعمال العفو وقبول ما سهل من أخلاق الناس وترك الاستقصاء عليهم في المعاملات وقبول العذر ونحوه . وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : خذ العفو قال : { هو العفو من الأموال قبل أن ينزل فرض الزكاة } ، وكذلك روي عن الضحاك والسدي وقيل : إن أصل العفو الترك ، ومنه قوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء يعني : ترك له ؛ والعفو عن الذنب ترك العقوبة عليه وقوله تعالى : وأمر بالعرف قال قتادة وعروة : { العرف المعروف } .

وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : حدثنا سهل بن بكار قال : حدثنا عبد السلام بن الخليل عن عبيدة الهجيمي قال : قال أبو جري جابر بن سليم : ركبت قعودي ثم انطلقت إلى مكة فطلبته ، فأنخت قعودي بباب المسجد ، فإذا هو [ ص: 214 ] جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك السلام قلت : إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها قال : أدن ثلاثا . فدنوت ، فقال : أعد علي فأعدت ، قال : اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ، وأن تلقى أخاك بوجه منبسط ، وأن تفرغ من فضل دلوك في إناء المستسقي ، وإن امرؤ سبك بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ، ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالى قال أبو جري : فوالذي ذهب بنفسه ما سببت بعده شيئا لا شاة ولا بعيرا . والمعروف هو ما حسن في العقل فعله ولم يكن منكرا عند ذوي العقول الصحيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية