باب قطع السارق قال الله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما روى عن سفيان عن [ ص: 62 ] جابر عامر قال قراءة عبد الله فاقطعوا أيديهما وروى ابن عوف عن إبراهيم : في قراءتنا : " فاقطعوا أيمانهما " . قال : لم تختلف الأمة في أن أبو بكر هي اليمين ، فعلمنا أن مراد الله تعالى بقوله : اليد المقطوعة بأول سرقة أيديهما أيمانهما ، فظاهر اللفظ في جمعه الأيدي من الاثنين يدل على أن المراد اليد الواحدة من كل واحد منهما كقوله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما لما كان لكل واحد منهما قلب واحد أضافه إليهما بلفظ الجمع ، كذلك لما أضاف الأيدي إليهما بلفظ الجمع دل على أن المراد إحدى اليدين من كل واحد منهما وهي اليمنى . وقد اختلف في وفي قطع اليسرى في المرة الثالثة ، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى . ولم تختلف الأمة في خصوص هذه الآية ؛ لأن اسم السارق يقع على سارق الصلاة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : قطع الرجل اليمنى في الرابعة . إن أسوأ الناس سرقة هو الذي يسرق صلاته قيل : يا رسول الله وكيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها وسجودها
ويقع على سارق اللسان ؛ روى ليث بن سعد قال : حدثنا عن يزيد بن أبي حبيب أبي الخير مرثد بن عبد الله عن أبي رهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فثبت بذلك أنه لم يرد كل سارق . والسرقة اسم لغوي مفهوم المعنى عند أهل اللسان بنفس وروده غير محتاج إلى بيان وكذلك حكمه في الشرع وإنما علق بهذا الاسم حكم القطع كالبيع والنكاح والإجارة وسائر الأمور المعقولة معانيها من اللغة قد علقت بها أحكام يجب اعتبار عمومها بوجوب الاسم إلا ما قام دليل خصوصه فلو خلينا وظاهر قوله : أسرق السارق الذي يسرق لسان الأمير والسارق والسارقة لوجب إجراء الحكم على الاسم إلا ما خصه الدليل إلا أنه قد ثبت عندنا أن الحكم متعلق بمعنى غير الاسم يجب اعتباره في إيجابه وهو الحرز والمقدار فهو مجمل من جهة المقدار يحتاج إلى بيان من غيره في إثباته فلا يصح من أجل ذلك اعتبار عمومه في إيجاب القطع في كل مقدار والدليل على إجماله وامتناع اعتبار عمومه ما حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا معاذ بن المثنى عبد الرحمن بن المبارك قال : حدثنا وهيب عن أبي واقد قال : حدثني عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عامر بن سعد وروى لا تقطع يد السارق إلا في ثمن المجن عن ابن لهيعة أبي النصر عن عمرة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عائشة . لا تقطع يد السارق إلا فيما بلغ ثمن المجن فما فوق
وروى عن سفيان منصور عن عن مجاهد عن عطاء أيمن الحبشي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فثبت بهذه الأخبار أن حكم الآية في إيجاب القطع موقوف على ثمن المجن فصار ذلك كوروده مع الآية مضموما إليها وكان تقديرها : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما إذا بلغت السرقة ثمن المجن وهذا لفظ مفتقر إلى البيان غير مكتف بنفسه في إثبات الحكم وما كان هذا سبيله لم يصح الاحتجاج بعمومه ووجه آخر يدل على إجمالها في هذا الوجه وهو ما روي عن السلف في تقويم المجن فروي عن أدنى ما يقطع فيه السارق [ ص: 63 ] ثمن المجن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وأيمن الحبشي وأبي جعفر وعطاء في آخرين : " أن قيمته كانت عشرة دراهم " وقال وإبراهيم : " قيمته ثلاثة دراهم " وقال ابن عمر أنس وعروة والزهري : " قيمته خمسة دراهم " وقالت وسليمان بن يسار ثمن المجن ربع دينار " ومعلوم أنه لم يكن ذلك تقويما منهم لسائر المجان ؛ لأنها تختلف كاختلاف الثياب وسائر العروض فلا محالة أن ذلك كان تقويما للمجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أيضا أنهم لم يحتاجوا إلى تقويمه من حيث قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ ليس في قطع النبي صلى الله عليه وسلم في شيء بعينه دلالة على نفي القطع عما دونه كما أن قطعه السارق في المجن غير دال على أن حكم القطع مقصور عليه دون غيره إذا كان ما فعله بعض ما تناوله لفظ العموم على حسب حدوث الحادثة فإذا لا محالة قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف لهم حين قطع السارق على نفي القطع فيما دونه ، فدل ذلك على إجمال حكم الآية في المقدار كدلالة الأخبار التي قدمناها لفظا من نفي القطع عما دون قيمة المجن ، فلم يجز من أجل ذلك اعتبار عموم الآية في إثبات المقدار ووجب طلب معرفة قيمة المجن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم . عائشة
وليس إجمالها في المقدار بموجب إجمالها في سائر الوجوه من الحرز وجنس المقطوع فيه وغير ذلك ، بل جائز أن يكون عموما في هذه الوجوه مجملا في حكم المقدار فحسب ، كما أن قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة عموم في جهة الأموال الموجب فيها الصدقة مجمل في المقدار الواجب منها .
وكان شيخنا أبو الحسن يذهب إلى أن الآية مجملة من حيث علق فيها الحكم بمعان لا يقتضيها اللفظ من طريق اللغة ، وهو الحرز والمقدار , والمعاني المعتبرة في إيجاب القطع متى عدم منها شيء لم يجب القطع مع وجود الاسم ؛ لأن اسم السرقة موضوع في اللغة لأخذ الشيء على وجه الاستخفاء ، ومنه قيل " سارق اللسان " و " سارق الصلاة " تشبيها بأخذ الشيء على وجه الاستخفاء ، والأصل فيه ما ذكرنا . وهذه المعاني التي ذكرنا اعتبارها في إيجاب القطع [ ص: 64 ] لم يكن الاسم موضوعا لها في اللغة ، وإنما ثبت ذلك من جهة الشرع ، فصارت السرقة في الشرع اسما شرعيا لا يصح الاحتجاج بعمومه إلا فيما قامت دلالته .
واختلف في ، فقال مقدار ما يقطع فيه السارق أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد : " لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا أو قيمتها من غيرها " . وروي عن والثوري أبي يوسف : " أنه لا قطع حتى تكون قيمة السرقة عشرة دراهم مضروبة " . ومحمد
وروى عن الحسن بن زياد : " أنه إذا سرق ما يساوي عشرة دراهم مما يجوز بين الناس قطع " . وقال أبي حنيفة مالك والأوزاعي والليث : " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " قال والشافعي : " الشافعي قطع في ربع دينار ، وإن كان ذلك نصف درهم ، فلو غلت الدراهم حتى يكون الدرهمان بدينار قطع في ربع دينار ، وذلك خمسة وعشرون درهما " . وروي عن وإن رخصت الدنانير حتى يكون الدينار بمائة درهم أنه قال : " يقطع في درهم واحد " ، وهو قول شاذ قد اتفق الفقهاء على خلافه . وقال الحسن البصري أنس بن مالك وعروة والزهري : " لا يقطع إلا في خمسة دراهم " وروي نحوه عن وسليمان بن يسار عمر أنهما قالا : " لا يقطع إلا في خمسة " . وعلي
وقال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأيمن الحبشي وأبو جعفر وعطاء : " لا قطع إلا في عشرة دراهم " قال وإبراهيم : " يقطع في ثلاثة دراهم " وروي عن ابن عمر القطع في ربع دينار وروي عن عائشة أبي سعيد الخدري قالا : " لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم " والأصل في ذلك أنه لما ثبت باتفاق الفقهاء من السلف ومن بعدهم أن القطع لا يجب إلا في مقدار متى قصر عنه لم يجب وكان طريق إثبات هذا الضرب من المقادير التوقيف أو الاتفاق ولم يثبت التوقيف فيما دون العشرة وثبت الاتفاق في العشرة أثبتناها ولم نثبت ما دونها لعدم التوقيف والاتفاق فيه ولا يصح الاحتجاج بعموم قوله : وأبي هريرة والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما لما بينا أنه مجمل بما اقترن إليه من توقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على اعتبار ثمن المجن ومن اتفاق السلف على ذلك أيضا فسقط الاحتجاج بعمومه ووجب الوقوف عند الاتفاق في القطع في العشرة ونفيه عما دونها لما وصفنا وقد رويت أخبار توجب اعتبار العشرة في إيجاب القطع منها ما حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل نصر بن ثابت عن الحجاج عن عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمرو بن شعيب وقد سمعنا أيضا في سنن لا قطع فيما دون عشرة دراهم [ ص: 65 ] حديثا رواه بإسناد له عن ابن قانع زحر بن ربيعة عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن مسعود . لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم
وقال : قلت عمرو بن شعيب : إن لسعيد بن المسيب عروة والزهري يقولون لا تقطع اليد إلا في خمسة دراهم فقال : أما هذا فقد مضت السنة فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم قاله وسليمان بن يسار ابن عباس وأيمن الحبشي وقالوا : وعبد الله بن عمر فإن احتجوا بما روي عن كان ثمن المجن عشرة دراهم ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأنس وبما روي عن قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عائشة قيل له : أما حديث تقطع يد السارق في ربع دينار ابن عمر فلا دلالة فيه على موضع الخلاف لأنهما قوماه ثلاثة دراهم وقد قومه غيرهما عشرة فكان تقديم الزائد أولى وأما حديث وأنس فقد اختلف في رفعه وقد قيل إن الصحيح منه أنه موقوف عليها غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الإثبات من الرواة رووه موقوفا وروى عائشة يونس عن عن الزهري عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عائشة . وروى لا تقطع يد السارق إلا في ثمن المجن ثلث دينار أو نصف دينار فصاعدا عن أبيه عن هشام بن عروة : " أن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن ، وكان المجن يومئذ له ثمن ولم تكن تقطع في الشيء التافه " ؛ فهذا يدل على أن الذي كان عند عائشة من ذلك القطع في ثمن المجن وأنه لم يكن عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك ؛ إذ لو كان عندها عن رسول الله في ذلك شيء معلوم المقدار من الذهب أو الفضة لم تكن بها حاجة إلى ذكر ثمن المجن ؛ إذ كان ذلك مدركا من جهة الاجتهاد ولا حظ للاجتهاد مع النص . وهذا يدل أيضا على أن ما روي عنها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن ثبت فإنما هو تقدير منها لثمن المجن اجتهادا ؛ وقد روى عائشة عن حماد بن زيد أيوب عن عن عبد الرحمن بن القاسم عمرة عن قالت : " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " قال عائشة أيوب : وحدث به يحيى عن عمرة عن ورفعه ، فقال له عائشة : إنها كانت لا ترفعه ، فترك يحيى رفعه . فهذا يدل . على أن من رواه مرفوعا فإنما سمعه من عبد الرحمن بن القاسم يحيى قبل تركه الرفع .
ثم لو ثبت هذا الحديث لعارضه ما قدمناه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه مختلفة في نفي القطع عن سارق ما دون العشرة ، وكان يكون حينئذ خبرنا أولى لما فيه من حظر القطع عما دونها وخبرهم مبيح له ، وخبر الحظر أولى من خبر الإباحة .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فربما ظن بعض من لا روية له أنه يدل على أن ما دون العشرة يقطع فيه لذكر البيضة والحبل وهما في العادة أقل قيمة من عشرة دراهم ، وليس ذلك على ما يظنه ؛ لأن المراد بيضة الحديد ، وقد روي عن لعن الله السارق يسرق الحبل [ ص: 66 ] فيقطع فيه ، ويسرق البيضة فيقطع فيها أن علي بن أبي طالب ؛ ولأنه لا خلاف بين الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في بيضة من حديد قيمتها أحد وعشرون درهما لا قطع عليه ، وأما الحبل فقد يكون مما يساوي العشرة والعشرين وأكثر من ذلك . سارق بيضة الدجاج