وقد روي عن رضي الله عنه : أن علي . رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أعرابي بخمس بيضات فقال : إنا محرمون وإنا لا نأكل ؛ فلم يقبلها
وروى عن عكرمة عن ابن عباس : أن كعب بن عجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بيض نعام أصابه المحرم بقيمته . وروي عن عمر وعبد الله بن مسعود وابن عباس في بيض النعامة يصيبه المحرم : ( أن عليه قيمته ) . ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك . وقوله تعالى : وأبي موسى ورماحكم قال : ( كبار الصيد ) . قوله تعالى : ابن عباس لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [ ص: 130 ] قيل فيه ثلاثة أوجه كلها محتمل :
أحدها : محرمون بحج أو عمرة . والثاني دخول الحرم ، يقال أحرم الرجل إذا دخل الحرم ، كما يقال أنجد إذا أتى نجدا ، وأعرق إذا أتى العراق ، وأتهم إذا أتى تهامة . والثالث : الدخول في الشهر الحرام ، كما قال الشاعر
قتل الخليفة محرما
يعني في الشهر الحرام ، وهو يريد رضي الله عنه . عثمان بن عفانولا خلاف أن الوجه الثالث غير مراد بهذه الآية ، وأن الشهر الحرام لا يحظر الصيد ، والوجهان الأولان مرادان . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد الحرم للحلال والمحرم ، فدل أنه مراد بالآية ؛ لأنه متى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ينتظمه لفظ القرآن فالواجب أن يحكم بأنه صدر عن الكتاب غير مبتدأ . وقوله عز وجل : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم يقتضي عمومه صيد البر والبحر لولا ما خصه بقوله : أحل لكم صيد البحر وطعامه فثبت أن المراد بقوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم صيد البر خاصة دون صيد البحر . وقد دل قوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم أن كل ما يقتله المحرم من الصيد فهو غير ذكي ؛ لأن الله تعالى سماه قتلا ، والمقتول لا يجوز أكله وإنما يجوز أكل المذبوح على شرائط الذكاة ، وما ذكي من الحيوان لا يسمى مقتولا ؛ لأن كونه مقتولا يفيد أنه غير مذكى . وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم قد دل على أن هذه الخمسة ليست مما يؤكل لأنه مقتول غير مذكى ، ولو كان مذكى كانت إفاتة روحه لا تكون قتلا ولم يكن يسمى بذلك . وكذلك قال أصحابنا خمس يقتلهن المحرم في الحل والحرم إن عليه أن يذبح ، فيمن قال : ( لله علي ذبح شاة ) لم يلزمه شيء . ولو قال : ( لله علي قتل شاة )
وكذلك قال أصحابنا فعليه شاة ، فيمن قال : ( لله علي ذبح ولدي أو نحره ) لم يلزمه شيء ؛ لأن اسم الذبح متعلق بحكم الشرع في الإباحة والقربة ، وليس كذلك القتل . وروي عن ولو قال : ( لله علي قتل ولدي ) في قوله : سعيد بن المسيب لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم قال : ( قتله حرام في هذه الآية وأكله حرام في هذه الآية ) يعني أكل ما قتله المحرم منه .
وروى أشعث عن قال : ( كل صيد يجب فيه الجزاء فذلك الصيد ميتة لا يحل أكله ) ؛ وروى عنه الحسن يونس أيضا أنه لا يؤكل .
وروى عن حماد بن سلمة يونس عن في الصيد يذبحه المحرم قال : ( يأكله الحلال ) . وعن الحسن : ( إذا أصاب المحرم الصيد لا يأكله الحلال ) . وقال عطاء الحكم : ( يأكله الحلال ) . وهو قول وعمرو بن دينار . وقد ذكرنا [ ص: 131 ] دلالة الآية على تحريم ما أصابه المحرم من الصيد وأنه لا يكون مذكى ؛ ويدل على أن تحريمه عليه من طريق الدين على أنه حق الله تعالى فأشبه صيد المجوسي والوثني وما ترك فيه التسمية أو شيء من شرائط الذكاة ، ليس بمنزلة الذبح بسكين مغصوب ؛ لأن تحريمه تعلق بحق آدمي ، ألا ترى أنه لو أباحه جاز فلم يمنع صحة الذكاة ؟ إذ كانت الذكاة حقا لله تعالى ، فشروطها ما كان حقا لله تعالى . سفيان