واختلفوا في ؟ فقال أصحابنا : ( إذا لم يطمع في الماء ولم يخبره مخبر فليس عليه الطلب ويجزيه التيمم ) . وقال تارك الطلب إذا لم يكن بحضرته ماء ، هل هو غير واجد : ( عليه الطلب ، وإن تيمم قبل الطلب لم يجزه ) . وقال أصحابنا : ( إن طمع فيه أو أخبره مخبر بموضعه فإن كان بينه وبينه ميل أو أكثر فليس عليه إتيانه لما يلحقه من المشقة والضرر بتخلفه عن أصحابه وانقطاعه عن أهل رفقته ، وإن كان أقل من ميل أتاه ، وهذا إذا لم يخف على نفسه وما معه من لصوص أو سبع ونحوه ولم ينقطع عن أصحابه ) . وإنما قالوا فيمن كانت حاله ما قدمنا أنه يجزيه التيمم وليس عليه الطلب ، من قبل أنه غير واجد للماء ، وقال الله تعالى : الشافعي فلم تجدوا ماء فتيمموا وهذا غير واجد . فإن قالوا : لا يكون غير واجد إلا بعد الطلب قيل له : هذا خطأ ؛ لأن الوجود لا يقتضي طلبا ، قال الله تعالى : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأطلق اسم الوجود على ما لم يطلبوه ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ، ويكون واجدا لها وإن لم يطلبها ، وقال في الرقبة : من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ومعناه : [ ص: 15 ] ليس في ملكه ولا له قيمتها ، لا أنه أوجب عليه أنه يطلبها .
فإذا كان الوجود قد يكون من غير طلب فمن ليس بحضرته ماء ولا هو عالم به فهو غير واجد ، وإذا تناوله إطلاق اللفظ لم يجز لنا أن نزيد فيه فرض الطلب ؛ لأن فيه إلحاق الزيادة بحكم الآية ، وذلك غير جائز .
ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وقال التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء : لأبي ذر . ويدل أيضا على أن الوجود لا يقتضي الطلب أنه قد يكون واجدا لما يحصل عنده من شيء من غير طلب منه من ماء أو غيره ، فيقال : هذا واجد للرقبة ، إذا كانت عنده وإن لم يطلبها . التراب كافيك ولو إلى عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك
فإن قال قائل : ما أنكرت أنه جائز أن يقال إنه واجد لما لم يطلبه ولا يقال إنه غير واجد إلا أن يكون قد طلبه ؟ قيل له : إذا كان الوجود لا يقتضي الطلب وليس ذلك شرطه ، فنفي الوجود مثله ؛ لأنه ضده ، فما جاز إطلاقه عليه جاز على عدمه ، ألا ترى أنه يصح أن يقال هو غير واجد لألف دينار وإن لم يتقدم منه طلب ، ولو ضاع منه مال جاز أن يقال إنه لم يجده وإن لم يكن منه طلب ، كما يقال هو واجده وإن لم يطلبه ؟ فالوجود ونفيه سواء في أن كل واحد منهما لا يتعلق إطلاق الاسم فيه بالطلب ؛ وقد قال الله تعالى : وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين فأطلق الوجود في النفي كما أطلقه في الإثبات مع عدم الطلب فيهما .
فإن قيل : لو كان مع رفيق له ماء فلم يطلبه لم يصح تيممه حتى يطلبه فيمنعه ، وهذا يدل على وجوب الطلب ، ويؤكده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الجن : لعبد الله بن مسعود فطلبه . قيل له : أما طلبه من رفيقه فقد روي عن هل معك ماء ؟ أن صلاته جائزة وإن لم يطلبه ، وأما على قول أبي حنيفة أبي يوسف فإنه لا يجزيه حتى يطلبه فيمنعه ؛ وهذا عندنا إذا كان طامعا منه في بدله له وأنه إن لم يطمع في ذلك فليس عليه الطلب ، ونظيره أن يطمع في ماء موجود بالقرب منه أو يخبره به مخبر فلا يجوز تيممه ؛ لأن غالب الظن في مثله يقوم مقام اليقين كما لو غلب في ظنه أنه إن صار إلى النهر وهو بالقرب منه افترسه سبع أو اعترض له قاطع طريق جاز له أن يتيمم ، وإن غلب على ظنه السلامة لم يجز له التيمم ، فليس هذا من قول من يوجب الطلب في شيء . وأما حديث ومحمد وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياه الماء وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عبد الله بن مسعود في طلب الماء ، فإن فعله صلى الله عليه وسلم ليس على الوجوب ، وهو عندنا مستحب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا لا يخلو الذي [ ص: 16 ] في المفازة وليس بحضرته ماء ولم يطمع فيه من أن يكون واجدا أو غير واجد ، فإن كان غير واجد جاز تيممه بقوله : عليا فلم تجدوا ماء فتيمموا وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : . التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء
فإن قيل : إذا كان شرط جواز التيمم عدم الماء فواجب أن لا يجزي حتى يتيقن وجود شرطه ، كما أنه لما كان شرط جواز الصلاة حضور الوقت لم يجزه فعلها إلا بعد حصول اليقين بدخول الوقت .
قيل له : الفصل بينهما أن الأصل هو عدم الماء في مثل ذلك الموضع ، وذلك يقين عنده ؛ وإنما لا يعلم هل هو موجود في غيره ، وهل يكون موجودا إن طلب أم لا ، فليس عليه أن يزول عن اليقين الأول بما لا يعلمه ويشك فيه . ووقت الصلاة أيضا كان غير موجود ، فغير جائز له فعلها بالشك حتى يتيقن وجوده فهما سواء في هذا الوجه في باب البناء على اليقين الذي كان الأصل .
فإن قيل : قال الله تعالى : فاغسلوا وجوهكم إلى قوله : فلم تجدوا ماء فتيمموا فالغسل أبدا واجب وعليه التوصل إليه كيف أمكن ، فإذا كان قد يمكنه التوصل إليه بالطلب فذلك فرضه . قيل له : الذي قال : فاغسلوا هو الذي قال : فلم تجدوا ماء فتيمموا فوجوب الغسل مضمن بوجود الماء ، وجواز التيمم مضمن بعدمه ، وهو عادم له في الحال لا محالة ؛ وإنما يزعم المخالف أنه جائز أن يكون واجدا عند الطلب ، فغير جائز ترك ما حصل من شرط إباحة التيمم لما عسى يجوز أن يكون ويجوز أن لا يكون . والذي قاله المخالف كان يلزم لو طمع في الماء وغلب على ظنه وجوده وأخبره به مخبر ، فأما مع فقد ذلك فقد حصل شرط الآية على الوجه الذي يبيح التيمم ، فغير جائز لأحد إسقاطه وإيجاب اعتبار معنى غيره ، وإنما قدر أصحابنا أقل من ميل من قبل لزوم استعماله إذا علم بموضعه وغلب في ظنه ، ولم يوجبوه ذلك في ميل فصاعدا اجتهادا ولأن الميل هو الحد الذي تقدر به المسافات ولا تقدر بأقل منه في العادة ، فاعتبروه في ذلك دون ما هو أقل منه ، كما قلنا في اعتبار الكثير الفاحش أنه شبر في شبر ؛ لأنه أقل المقادير التي تقدر بها المساحات ولا تقدر في العادة بأقل منه . أبي يوسف
وروى عن نافع أنه كان يكون في السفر من الماء على غلوتين أو ثلاث فيتيمم ويصلي ولا يميل إليه . ابن عمر
وعن في الراعي يكون بينه وبين الماء ميلان أو ثلاثة وتحضره الصلاة ، أنه يتيمم ويصلي . وقال سعيد بن المسيب الحسن : ( لا يتيمم من رجا أن يقدر على الماء في الوقت ) . وابن سيرين