ما لا يقطع فيه قال عموم قوله أبو بكر والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما يوجب قطع كل من تناول الاسم في سائر الأشياء ؛ لأنه عموم في هذا الوجه وإن كان مجملا في المقدار إلا أنه قد قامت الدلالة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقول السلف واتفاق فقهاء الأمصار على أنه لم يرد به العموم وأن كثيرا مما يسمى آخذه واختلف الفقهاء في أشياء منه . سارقا لا قطع فيه
ذكر الاختلاف في ذلك : قال أبو حنيفة : ومحمد والفواكه الرطبة واللحم والطعام الذي لا يبقى ولا في الثمر المعلق والحنطة في سنبلها سواء كان لها حافظ أو لم يكن ولا قطع في شيء من الخشب إلا الساج والقنا ولا قطع في الطين والنورة [ ص: 75 ] والجص والزرنيخ ونحوه ولا قطع في شيء من الطير ويقطع في الياقوت والزمرد ولا قطع في شيء من الخمر ولا في شيء من آلات الملاهي وقال لا قطع في كل ما يسرع إليه الفساد نحو الرطب والعنب يقطع في كل شيء سرق من حرز إلا في السرقين والتراب والطين . أبو يوسف
وقال لا يقطع في الثمر المعلق ولا في حريسة الجبل وإذا آواه الجرين ففيه القطع وكذلك مالك ففيه القطع وقال إذا سرق خشبة ملقاة فبلغ ثمنها ما يجب فيه القطع لا قطع في الثمر المعلق ولا في الجمار ؛ لأنه غير محرز فإن أحرز ففيه القطع رطبا كان أو يابسا وقال الشافعي عثمان البتي فهو سارق يقطع قال إذا سرق الثمر على شجرة روى أبو بكر مالك وسفيان الثوري وحماد بن سلمة عن عن يحيى بن سعيد أن محمد بن يحيى بن حبان مروان أراد قطع يد عبد وقد سرق وديا فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رافع بن خديج . وروى لا قطع في ثمر ولا كثر عن سفيان بن عيينة يحيى بن سعيد بن محمد بن حبان عن عمه واسع بن حبان بهذه القصة فأدخل بين ابن عيينة محمد بن حبان وبين رافع واسع بن حبان ورواه عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد محمد بن حبان عن عمة له بهذه القصة وأدخل بينهما عمة له مجهولة ورواه الليث الدراوردي عن عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أبي ميمونة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فجعل رافع بن خديج الدراوردي بين محمد بن يحيى ورافع أبا ميمونة فإن كان واسع بن حبان كنيته أبو ميمونة فقد وافق وإن كان غيره فهو مجهول لا يدرى من هو إلا أن الفقهاء قد تلقت هذا الحديث بالقبول وعملوا به فثبتت حجته بقبولهم له كقوله ابن عيينة واختلاف التابعين لما تلقاه العلماء بالقبول ثبتت حجته ولزم العمل به لا وصية لوارث
وقد تنازع أهل العلم معنى قوله فقال لا قطع في ثمر ولا كثر أبو حنيفة هو على كل ثمر يسرع إليه الفساد وعمومه يقتضي ما يبقى منه وما لا يبقى إلا أن الكل متفقون على القطع فيما قد استحكم ولا يسرع إليه الفساد فخص ما كان بهذا الوصف من العموم وصار ذلك أصلا في نفي القطع عن جميع ما يسرع إليه الفساد . ومحمد
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحسن وذلك ينفي القطع عن جميع الطعام إلا أنه خص ما لا يسرع إليه الفساد بدليل . وقال لا قطع في طعام ومن قدمنا قوله أن نفيه القطع عن الثمر والكثر لأجل عدم الحرز فإذا أحرز فهو وغيره سواء وهذا تخصيص بغير دلالة وقوله أبو يوسف أصل في ذلك أيضا ؛ لأن الكثر قد قيل فيه وجهان أحدهما : الجمار والآخر الصغار وهو عليهما جميعا [ ص: 76 ] فإذا أراد به الجمار فقد نفى القطع عنه ؛ لأنه مما يفسد وهو أصل في كل ما كان في معناه وإن أراد به النخل فقد دل على نفي القطع في الخشب فنستعملهما على فائدتيهما جميعا وكذلك قال ولا كثر لا قطع في خشب إلا الساج والقنا وكذلك يجيء على قوله في الأبنوس . أبو حنيفة
وذلك أن الساج والأبنوس لا يوجد في دار الإسلام إلا مالا فهو كسائر الأموال . وإنما اعتبر ما يوجد في دار الإسلام مالا من قبل أن الأملاك الصحيحة هي التي توجد في دار الإسلام وما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح ؛ لأنها دار إباحة وأملاك أهلها مباحة فلا يختلف فيها حكم ما كان منه مالا مملوكا وما كان منه مباحا فلذلك سقط اعتبار كونها مباحة في دار الحرب فاعتبر حكم وجودها في دار الإسلام فلما لم توجد في دار الإسلام إلا مالا كانت كسائر أموال المسلمين التي ليست مباحة الأصل فإن قال قائل النخل غير مباح الأصل قيل له هو مباح الأصل في كثير من المواضع كسائر الجنس المباح الأصل وإن كان بعضها مملوكا بالأخذ والنقل من موضع إلى موضع .
وقد روى عن أبيه عن عمرو بن شعيب قال عبد الله بن عمر مزينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل قال هي عليه ومثلها والنكال وليس في شيء من الماشية قطع إلا ما أواه المراح فإذا أواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثله وجلدات النكال قال يا رسول الله كيف ترى في الثمر المعلق قال هي ومثله معه والنكال وليس في شيء من الثمر المعلق قطع إلا ما أواه الجرين فما أخذه من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ففيه غرامة مثله وجلدات النكال . جاء رجل من
فنفى في حديث القطع عن الثمر رأسا ونفى في حديث رافع بن خديج القطع عن الثمر إلا ما أواه الجرين وقوله عبد الله بن عمر يحتمل معنيين : أحدهما : الحرز والآخر الإبانة عن حال استحكامه وامتناع إسراع الفساد إليه حتى يأويه الجرين
لأنه لا يأويه الجرين إلا وهو مستحكم في الأغلب وهو كقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ولم يرد به وقوع الحصاد .
وإنما أراد به بلوغه وقت الحصاد وقوله صلى الله عليه وسلم ولم يرد به وجود الحيض وإنما أخبر عن حكمها بعد البلوغ وقوله لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولم يرد به السن وإنما أراد الإحصان وقوله إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة . في خمس وعشرين بنت مخاض
أراد دخولها في السنة الثانية وإن لم يكن بأمها مخاض ؛ لأن الأغلب إذا صارت كذلك كان بأمها مخاض وكذلك قوله يحتمل أن يريد به بلوغ حال الاستحكام فلم يجز من أجل ذلك أن يخص حديث حتى يأويه [ ص: 77 ] الجرين في قوله رافع بن خديج وإنما لم يقطع في النورة ونحوها لما روت لا قطع في ثمر ولا كثر قالت عائشة . لم يكن قطع السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه يعني الحقير
فكل ما كان تافها مباح الأصل فلا قطع فيه والزرنيخ والجص والنورة ونحوها تافه مباح الأصل ؛ لأن أكثر الناس يتركونه في موضعه مع إمكان القدرة عليه وأما الياقوت والجوهر فغير تافه وإن كان مباح الأصل بل هو ثمين رفيع ليس يكاد يترك في موضعه مع إمكان أخذه فيقطع فيه وإن كان مباح الأصل كما يقطع في سائر الأموال ؛ لأن شرط زوال القطع المعنيان جميعا من كونه تافها في نفسه ومباح الأصل وأيضا فإن الجص والنورة ونحوها أموال لا يراد بها القنية بل الإتلاف فهي كالخبز واللحم ونحو ذلك والياقوت ونحوه مال يراد به القنية والتبقية كالذهب والفضة وأما الطير فإنما لم يقطع فيه لما روي عن علي أنهما قالا لا يقطع في الطير من غير خلاف من أحد من الصحابة عليهما وأيضا فإنه مباح الأصل فأشبه الحشيش والحطب . وعثمان