قوله تعالى : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه قال : فيه دلالة على أن أبو بكر فهو ثابت ، على معنى أنه صار شريعة للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله : ما لم ينسخ من شرائع الأنبياء المتقدمين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومعلوم أنه لم يرد أمرهم باتباع ما أنزل الله في الإنجيل إلا على أنهم يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صار شريعة له ؛ لأنهم لو استعملوا ما في الإنجيل مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم غير متبعين له لكانوا [ ص: 97 ] كفارا ، فثبت بذلك أنهم مأمورون باستعمال أحكام تلك الشريعة على معنى أنها قد صارت شريعة للنبي عليه السلام . قوله تعالى : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه قال ابن عباس ومجاهد : " مهيمنا يعني أمينا " وقيل : شاهدا ، وقيل : حفيظا ، وقيل : مؤتمنا والمعنى فيه أنه أمين عليه ، ينقل إلينا ما في الكتب المتقدمة على حقيقته من غير تحريف ولا زيادة ولا نقصان ؛ لأن الأمين على الشيء مصدق عليه ، وكذلك الشاهد . وفي ذلك دليل على أن كل وقتادة ، من نحو الودائع والعواري والمضاربات ونحوها ؛ لأنه حين أنبأ عن وجوب التصديق بما أخبر به القرآن عن الكتب المتقدمة سماه أمينا عليها ، وقد بين الله تعالى في سورة البقرة أن الأمين مقبول القول فيما اؤتمن فيه ، وهو قوله تعالى : من كان مؤتمنا على شيء فهو مقبول القول فيه فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه وقال : وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فلما جعله أمينا فيه وعظه بترك البخس .
وقد اختلف في المراد بقوله : ومهيمنا فقال : " هو الكتاب ، وفيه إخبار بأن القرآن مهيمن على الكتب المتقدمة شاهد عليها " . وقال ابن عباس : " أراد به النبي " صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : مجاهد فاحكم بينهم بما أنزل الله يدل على نسخ التخيير على ما تقدم من بيانه قوله تعالى : ولا تتبع أهواءهم يدل على بطلان للاستحلاف ، لما فيه من تعظيم الموضع وهم يهوون ذلك ؛ وقد نهى الله تعالى عن اتباع أهوائهم . ويدل على بطلان قول من يردهم إلى دينهم لما فيه من اتباع أهوائهم والاعتداد بأحكامهم ، ولأن ردهم إلى أهل دينهم إنما هو رد لهم ليحكموا فيهم بما هو كفر بالله عز وجل ؛ إذ كان حكمهم بما يحكمون به كفرا بالله وإن كان موافقا لما أنزل في التوراة والإنجيل ؛ لأنهم مأمورون بتركه واتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : قول من يردهم إلى الكنيسة أو البيعة لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا الشرعة والشريعة واحد ، ومعناها الطريق إلى الماء الذي فيه الحياة ، فسمى الأمور التي تعبد الله بها من جهة السمع شريعة وشرعة لإيصالها العاملين بها إلى الحياة الدائمة في النعيم الباقي قوله تعالى : ومنهاجا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : " سنة وسبيلا " . والضحاك
ويقال طريق نهج إذا كان واضحا . قال : " وأراد بقوله : "شرعة" القرآن ؛ لأنه لجميع الناس " وقال مجاهد وغيره شريعة التوراة وشريعة الإنجيل وشريعة القرآن " . وهذا يحتج به من نفى لزوم شرائع من قبلنا إيانا وإن لم يثبت نسخها لإخباره بأنه [ ص: 98 ] جعل لكل نبي من الأنبياء شرعة ومنهاجا . وليس فيه دليل على ما قالوا ؛ لأن ما كان شريعة قتادة لموسى عليه السلام فلم ينسخ إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقد صارت شريعة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان فيما سلف شريعة لغيره ؛ فلا دلالة في الآية على اختلاف أحكام الشرائع . وأيضا فلا يختلف أحد في تجويز أن يتعبد الله رسوله بشريعة موافقة لشرائع من كان قبله من الأنبياء ، فلم ينف قوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا أن تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لكثير من شرائع الأنبياء المتقدمين .
وإذا كان كذلك ، فالمراد فيما نسخ من شرائع المتقدمين من الأنبياء وتعبد النبي صلى الله عليه وسلم بغيرها ، فكان لكل منكم شرعة غير شرعة الآخر . قوله عز وجل : ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة قال : " لجعلكم على الحق " ، وهذه مشيئة القدرة على إجبارهم على القول بالحق ، ولكنه لو فعل لم يستحقوا ثوابا ، وهو كقوله : الحسن ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها وقال قائلون : " معناه : ولو شاء الله لجمعهم على شريعة واحدة في دعوة جميع الأنبياء " .