قوله تعالى : وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الآية ظاهره يوجب ؛ وقد أريد به الإباحة في بعض الأحوال والإيجاب في بعضها ، فالحال التي يجب فيها الأكل والشرب هي الحال التي يخاف أن يلحقه ضرر يكون ترك الأكل والشرب يتلف نفسه أو بعض أعضائه أو يضعفه عن أداء الواجبات ، فواجب عليه في هذه الحال أن يأكل ما يزول معه خوف الضرر ؛ والحال التي هما مباحان فيها هي الحال التي لا يخاف فيها ضررا بتركها . وظاهره يقتضي جواز أكل سائر المأكولات وشرب سائر الأشربة مما لا يحظره دليل بعد أن لا يكون مسرفا فيما يأتيه من ذلك ؛ لأنه أطلق الأكل والشرب على شريطة أن لا يكون مسرفا فيهما . والإسراف هو مجاوزة حد الاستواء ، فتارة يكون بمجاوزة الحلال إلى الحرام وتارة يكون بمجاوزة الحد في الإنفاق فيكون ممن قال الله تعالى : الأكل والشرب من غير إسراف إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين والإسراف وضده من الإقتار مذمومان ، والاستواء هو التوسط ؛ ولذلك قيل دين الله بين المقصور والغالي ، قال الله تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا وقد يكون الإسراف في الأكل أن يأكل فوق الشبع حتى يؤديه إلى الضرر ، فذلك محرم أيضا .