قوله تعالى : إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم عنى بالدعاء الأول تسميتهم الأصنام آلهة ، والدعاء الثاني طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم ، وذلك ميئوس منهم . وقوله : عباد أمثالكم قيل : إنما سماها عبادا لأنها [ ص: 213 ] مملوكة لله تعالى ، وقيل : لأنهم توهموا أنها تضر وتنفع ، فأخبر أنه ليس يخرج بذلك عن حكم العباد المخلوقين .
وقال : { إن الذين يدعون هذه الأوثان مخلوقة أمثالكم } . قوله تعالى : الحسن ألهم أرجل يمشون بها تقريع لهم على عبادتهم من هذه صفته ؛ إذ لا شبهة على أحد في الناس أن من تبع من هذه صفته فهو ألوم ممن عبد من له جارحة يمكن أن ينفع بها أو يضر وقيل : إنه قدرهم أنهم أفضل منها ؛ لأن لهم جوارح يتصرفون بها والأصنام لا تصرف لها ، فكيف يعبدون من هم أفضل منه والعجب من أنفتهم من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مع ما أيده الله به من الآيات المعجزة والدلائل الباهرة لأنه بشر مثلهم ، ولم يأنفوا من عبادة حجر لا قدرة له ولا تصرف وهم أفضل منه في القدرة على النفع والضر والحياة والعلم .
في . العفو والأمر بالمعروف
قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف روى عن أبيه عن هشام بن عروة في قوله عز وجل : عبد الله بن الزبير خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال : والله ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة الخلق الحسن
وروى عن عطاء أنه قال : ابن عمر وحدثنا سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أفضل ؟ قال : أحسنهم خلقا . قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع معاذ بن المثنى وسعيد بن محمد الأعرابي قالا : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا عن سفيان الثوري عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وروي عن إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق الحسن قالا { أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقبل العفو من أخلاق الناس } . ومجاهد
والعفو هو التسهيل والتيسير ، فالمعنى استعمال العفو وقبول ما سهل من أخلاق الناس وترك الاستقصاء عليهم في المعاملات وقبول العذر ونحوه . وروي عن في قوله تعالى : ابن عباس خذ العفو قال : { هو العفو من الأموال قبل أن ينزل فرض الزكاة } ، وكذلك روي عن الضحاك وقيل : إن أصل العفو الترك ، ومنه قوله تعالى : والسدي فمن عفي له من أخيه شيء يعني : ترك له ؛ والعفو عن الذنب ترك العقوبة عليه وقوله تعالى : وأمر بالعرف قال قتادة : { العرف المعروف } . وعروة
وحدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إبراهيم بن عبد الله قال : حدثنا قال : حدثنا سهل بن بكار عبد السلام بن الخليل عن عبيدة الهجيمي قال : قال أبو جري جابر بن سليم : مكة فطلبته ، فأنخت قعودي بباب المسجد ، فإذا هو [ ص: 214 ] جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك السلام قلت : إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها قال : أدن ثلاثا . فدنوت ، فقال : أعد علي فأعدت ، قال : اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ، وأن تلقى أخاك بوجه منبسط ، وأن تفرغ من فضل دلوك في إناء المستسقي ، وإن امرؤ سبك بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ، ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالى قال ركبت قعودي ثم انطلقت إلى أبو جري : فوالذي ذهب بنفسه ما سببت بعده شيئا لا شاة ولا بعيرا . والمعروف هو ما حسن في العقل فعله ولم يكن منكرا عند ذوي العقول الصحيحة .