قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا قال ابن عباس وجابر ومجاهد هم وقتادة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع " قال : " خلفوا عن التوبة وقال مجاهد : خلفوا عن غزوة قتادة تبوك " وقد كانوا هؤلاء الثلاثة تخلفوا عن غزوة تبوك فيمن تخلف وكانوا صحيحي الإسلام ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك جاء المنافقون فاعتذروا وحلفوا بالباطل ، وهم الذين أخبر الله عنهم سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم وقال : يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين فأمر تعالى بالإعراض عنهم ونهى عن الرضا عنهم ، إذ كانوا كاذبين في اعتذارهم مظهرين لغير ما يبطنون ، وأما الثلاثة ، فإنهم كانوا مسلمين صدقوا عن أنفسهم وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا تخلفنا من غير عذر ، وأظهروا التوبة والندم ، فقال لهم رسول [ ص: 370 ] الله صلى الله عليه وسلم : ، فأنزل الله في أمرهم التشديد عليهم وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يكلمهم وأن يأمر المسلمين أن لا يكلموهم ، فأقاموا على ذلك نحو خمسين ليلة ، ولم يكن ذلك على معنى رد توبتهم ؛ لأنهم قد كانوا مأمورين بالتوبة ، وغير جائز في الحكمة أن لا تقبل إنكم قد صدقتم عن أنفسكم فامضوا حتى أنظر ما ينزل الله تعالى فيكم ولكنه تعالى أراد تشديد المحنة عليهم في تأخير إنزال توبتهم ونهي الناس عن كلامهم ، وأراد به استصلاحهم واستصلاح غيرهم من المسلمين لئلا يعودوا ولا غيرهم من المسلمين إلى مثله لعلم الله فيهم بموضع الاستصلاح ، وأما المنافقون الذين اعتذروا فلم يكن فيهم موضع استصلاح بذلك فلذلك أمر بالإعراض عنهم ، فثبت بذلك أن أمر الناس بترك كلامهم ، وتأخير إنزال توبتهم لم يكن عقوبة ، وإنما كان محنة وتشديدا في أمر التكليف والتعبد ، وهو مثل ما نقوله في إيجاب الحد الواجب على التائب مما قارب أنه ليس بعقوبة ، وإنما هو محنة وتعبد ، وإن كان الحد الواجب بالفعل بديا كان يكون عقوبة لو أقيم عليه قبل التوبة . توبة من يتوب في وقت التوبة إذا فعلها على الوجه المأمور به