قوله: به : في الهاء أوجه. أحدها: أنها ضمير الصبح، أي: فأثرن في وقت الصبح غبارا. وهذا حسن; لأنه مذكور بالصريح. الثاني: أنه عائد على المكان، وإن لم يجر له ذكر; لأن الإثارة لا بد لها من مكان، فالسياق والفعل يدلان عليه. وفي عبارة "وقيل: الضمير لمكان الغارة" هذا على تلك اللغية، وإلا فالفصيح أن يقول: الإغارة. الثالث: أنه ضمير العدو الذي دل عليه "والعاديات" . الزمخشري:
وقرأ العامة بتخفيف الثاء، من أثار كذا: إذا نشره وفرقه مع ارتفاع. وقرأ أبو حيوة بتشديدها، وخرجه وابن أبي عبلة [ ص: 86 ] على وجهين: الأول بمعنى فأظهرن به غبارا; لأن التأثير فيه معنى الإظهار. والثاني: أنه قلب "ثورن" إلى "وثرن" وقلب الواو همزة. انتهى. قلت: يعني أن الأصل: ثورن، من ثور يثور بالتشديد. عداه بالتضعيف كما يعدى بالهمزة في قولك: أثاره، ثم قلب الكلمة: بأن جعل العين وهي الواو موضع الفاء، وهي الثاء، فصارت وثرن، ووزنها حينئذ عفلن، ثم قلب الواو همزة، فصار "أثرن" وهذا بعيد جدا. وعلى تقدير التسليم فقلب الواو المفتوحة همزة لا ينقاس إنما جاءت منه أليفاظ: كأحد وأناة. والنقع: الغبار وأنشد: الزمخشري
4623 - يخرجن من مستطار النقع دامية كأن آذانها أطراف أقلام
وقال ابن رواحة:
4624 - عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
وقال "النقع رفع الصوت" وأنشد: [ ص: 87 ] أبو عبيد:
4625 - فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوها ذات جرس وزجل
قال : "ويجوز أن يراد بالنقع الصياح، من قوله عليه السلام: " الزمخشري ما لم يكن نقع ولا لقلقة " وقول لبيد:
فمتى ينقع صراخ صادق . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: هيجن في المغار عليهم صباحا" انتهى. فعلى هذا تكون الباء بمعنى "في"، ويعود الضمير على المكان الذي فيه الإغارة كما تقدم.