بسم الله الرحمن الرحيم
آ. (1) قوله : والعاديات : جمع "عادية"، وهي الجارية بسرعة، من العدو، وهو المشي بسرعة. والياء عن واو لكسر ما قبلها نحو: الغازيات من الغزو. يقال: عدا يعدو عدوا، فهو عاد وهي عادية، وقد تقدم هذا في المؤمنين.
قوله: ضبحا فيه أوجه. أحدها: أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل; فإن الضبح نوع من السير والعدو كالضبع. يقال: ضبح الفرس وضبع، إذا عدا بشدة، أخذا من الضبع، وهو الذراع لأنه يمده عند العدو، وكأن الحاء بدل من العين. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة قالا: الضبح من إضباعها في السير. وقال والمبرد. عنترة:
4617 - والخيل تعلم حين تض بح في حياض الموت ضبحا
[ ص: 82 ] الثاني: أنه مصدر في موضع الحال، أي: ضابحات، أو ذوي ضبح. والضبح: صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو، ليس بصهيل. وعن أنه حكاه فقال: أح أح. ونقل عنه: أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب. وهذا ينبغي أن لا يصح عنه، فإنه روي أنه قال: سئلت عنها ففسرتها بالخيل. وكان ابن عباس: رضي الله عنه تحت سقاية زمزم فسأله، وذكر له ما قلت. فدعاني فلما وقفت على رأسه قال: "تفتي الناس بغير علم، إنها لأول غزوة في الإسلام وهي علي بدر، ولم يكن معنا إلا فرسان: فرس للمقداد، وفرس والعاديات ضبحا: الإبل من للزبير، عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى". إلا أن قال بعد ذلك: "فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل، كما استعير المشافر والحافر للإنسان، والشفتان للمهر". ونقل غيره أن الضبح يكون في الإبل والأسود من الحيات والبوم والصدى والأرنب والثعلب والقوس. وأنشد الزمخشري أبو حنيفة في صفة قوس:
4618 - حنانة من نشم أو تالب تضبح في الكف ضباح الثعلب
وعندي أن هذا من الاستعارة. ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح في [ ص: 83 ] الثعلب فاستعير للخيل، وهو من ضبحته النار: أي غيرت لونه ولم تبالغ فيه. والضبح لون يغير إلى السواد قليلا.
الثالث من الأوجه: أن يكون منصوبا بفعل مقدر، أي: تضبح ضبحا. وهذا الفعل حال من "العاديات" .
الرابع: أنه منصوب بالعاديات، وإن كان المراد به الصوت. قال : "كأنه قيل: والضابحات لأن الضبح يكون مع العدو" . قال الشيخ: "وإذا كان الضبح مع العدو فلا يكون معنى "والعاديات" : والضابحات فلا ينبغي أن يفسر به" . قلت: لم يقل الزمخشري أنه بمعناه، وإنما جعله منصوبا به; لأنه لازم له لا يفارقه فكأنه ملفوظ به. وقوله: "كأنه قيل" تفسير للتلازم، لا أنه هو هو. الزمخشري