الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن ) ( كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها ) بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية ( فلا حد عليه ولا لعان ) لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها وامتناع اللعان لمعنى من جهتها فيسقط الحد كما إذا صدقته ، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام { أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم : اليهودية والنصرانية تحت المسلم ، والمملوكة تحت الحر ، والحرة تحت المملوك }

[ ص: 284 ] ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد لأن امتناع اللعان بمعنى من جهته إذ هو ليس من أهله

التالي السابق


( قوله وإن كان ) أي الزوج ( من أهل الشهادة ) وهي ليست من أهلها أو من أهلها إلا أنها لا يحد قاذفها بأن تكون قد زنت في عمرها فلا حد ولا لعان ، وهو ظاهر فيما إذا كانت لا يحد قاذفها ، أما إذا كانت ممن يحد قاذفها إلا أنها ليست من أهل الشهادة بأن تكون عفيفة محدودة في قذف ; فقد يقال امتناع اللعان لعدم شرط من أين يستلزم امتناع الحد والحال أنها ممن يحد قاذفها فصار كامتناع اللعان من جهة الزوج ولم يسقط الحد عنه .

والجواب أن الزوج لما كان أهلا للعان بأن كان أهلا للشهادة لم يكن حكم قذفه إلا اللعان لا الحد ، فإذا امتنع من جهتها امتنع تمام الموجب ، بخلاف ما إذا امتنع من جهته بعدم أهليته للشهادة فإن حكم قذفه ليس اللعان بل الحد لما بينا ( قوله والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { أربعة لا لعان بينهم } ) أخرج ابن ماجه في سننه عن ابن عطاء عن أبيه عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة من النساء لا ملاعنة بينهم : النصرانية تحت المسلم ، واليهودية تحت المسلم ، والمملوكة تحت الحر ، والحرة تحت المملوك } .

وأخرجه [ ص: 284 ] الدارقطني عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن عمرو بن شعيب ، وأخرجه بالطريق الأول أيضا وقال وتابعه : يعني تابع عثمان بن عطاء الخراساني يزيد بن زريع عن عطاء وهو أيضا ضعيف .

وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من قوله ولم يرفعاه ، ثم أخرجه كذلك موقوفا ثم أخرجه عن عمارة بن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وضعف رواته .

وأنت علمت أن الضعيف إذا تعددت طرقه كان حجة ، وهذا كذلك خصوصا وقد اعتضد برواية الإمامين إياه موقوفا على جد عمرو بن شعيب ، على أن معنى الحديث المذكور مما يدل عليه آية اللعان على التقرير الذي ذكرناه من أنه شهادات إلى آخره ( قوله ولو كانا محدودين فعليه الحد ) لأن امتناع اللعان بمعنى من جهته ، وكذا إذا كان هو عبدا وهي محدودة في قذف يحد لما ذكرنا ، بخلاف ما إذا كانا كافرين أو مملوكين حيث لا يجب عليه الحد وإن امتنع من جهته لأن قذف الأمة والكافرة لا يوجبه ، بخلاف قذف المحدودة إذا كانت عفيفة ، فإنه لو قذفها أجنبي يحد فكذا الزوج .

ولو قذف الكافرة أو الأمة أجنبي لا يحد فكذا الزوج ، فصار كما لو كانا صغيرين أو مجنونين . وعند الشافعي وغيره يلاعن في الكل لأن كل من هو من أهل اليمين فهو أهل له ، إلا إذا كان أحدهم صغيرا أو مجنونا . قيل عليه كما أن امتناعه بمعنى من جهته كذلك هو بمعنى من جهتها ، فكان ينبغي أن تراعى الجهتان ، فباعتبار جهته ينبغي أن ينتفي اللعان فقط ، وباعتبار جهتها يسقط اللعان فيتبعه سقوط الحد . والجواب أن القذف يوجد أولا منه ، وهو مقتض للعان إن كان أهلا للشهادة ، والحد إن لم يكن ، وعدم أهليتها مانع ولا اعتبار للمانع إلا بعد وجود المقتضي لأن مفهوم المانعية يقتضي ذلك ، إذ حقيقته نسبته إلى المقتضى بالمنع ، ولا وجود لمقتضى اللعان فلا تعتبر المانعية من جهتها للعان . والحد إنما يسقط بما من جهتها تبعا لسقوط اللعان ، ولم يعتبر المسقط المستتبع من جهتها فيبقى على ما كان وقد كان ثابتا فإن قذف الزوج موجب للحد




الخدمات العلمية