الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة وتبتاع آلة الولادة صح [ ص: 295 ] نفيه ولاعن به وإن نفاه بعد ذلك لاعن ، ويثبت النسب هذا عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ومحمد : يصح نفيه في مدة النفاس ) لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة ففصلنا بينهما بمدة النفاس لأنه أثر الولادة . وله أنه لا معنى للتقدير لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة فاعتبرنا ما يدل عليه وهو قبوله التهنئة أو سكوته عند التهنئة أو ابتياعه متاع الولادة أو مضي ذلك الوقت فهو ممتنع عن النفي . ولو كان غائبا ولم يعلم بالولادة ثم قدم تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين .

التالي السابق


( قوله وإذا نفى الرجل ) الحاصل من هذه المسألة بيان شرط اعتبار صحة نفي الولد ، وله [ ص: 295 ] شرطان متفق ومختلف ، فالمتفق أن لا يقبل التهنئة أو لا يسكت عندها ، وهذا من المواضع التي اعتبر فيها السكوت رضا ، وقد أوردناها منظومة في كتاب النكاح إلا في رواية عن محمد في ولد الأمة إذا هنئ به فسكت لا يكون سكوته قبولا ، بخلاف ولد المنكوحة ، لأن ولد الأمة غير ثابت النسب إلا بالدعوة ، فالحاجة إلى الدعوة والسكوت ليس دعوة ، ونسب ولد المنكوحة ثابت منه فسكوته يسقط حقه في النفي ، والمختلف فيه أن يقع .

أعني النفي في زمان التهنئة عادة وابتياع آلة الولادة عند أبي حنيفة . ولو وقع بعده إن كان لم يقبل تهنئة لا ينتفي إلا إذا كان غائبا على ما سيذكر ، ثم لم يعين لها مقدار في ظاهر الرواية ، وذكر أبو الليث عن أبي حنيفة تقديرها بثلاثة أيام ، وروى الحسن عنه سبعة لأنها أيام التهنئة .

وضعفه السرخسي بأن نصب المقادير بالرأي متعذر . وعندهما هي مقدرة بمدة النفاس لأنها أثر الولادة . وكان القياس أن لا يجوز النفي إلا على فور الولادة كقول الشافعي : إلا أنا استحسنا جواز تأخيره مدة يقع فيها التأمل لأن النفي يحتاج إليه كي لا يقع في نفي ولده أو استلحاق غير ولده وكلاهما حرام .

{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية الملاعنة أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رءوس الأولين والآخرين } رواه أبو داود والنسائي .

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم { من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام } والاتفاق على أن المدة إذا طالت لا يجوز النفي فجعلا القصيرة مدة النفاس لأنه أثر الولادة ، ولذا أحكام الولادة ثابتة فيها من عدم حل الصلاة والصوم والقربان فكأنهما فور الولادة .

وقال : لا معنى لتعيين مدة أصلا لأنها للتأمل ، والناس مختلفون فيه ، والأحوال أيضا تختلف في إفادته ، فاعتبرنا ما يدل عليه وهو قبول التهنئة وهو ذكر ما يدل على القبول مثل أحسن الله بارك الله جزاك الله رزقك مثله ، أو أمن على دعاء المهنئ أو سكوته عند تهنئته أو ابتياعه متاع الولادة أو مضي ذلك الوقت .

وقد يقال : إن اعتبار مضي ذلك الوقت وما قبله لجواز النفي لم يخرج عن التعيين فينافيه قوله لا معنى للتعيين أصلا انتهى ( قوله وإن كان غائبا ) ما تقدم كان إذا كان حاضرا ، فلو كان غائبا لم يعلم بالولادة تعتبر [ ص: 296 ] المدة التي ذكرناها على الأصلين بعد قدومه عندهما قدر مدة النفاس ، وعنده قدر مدة قبول التهنئة ، وعن أبي يوسف : إن قدم قبل أن تمضي مدة الفصال فله أن ينفيه إلى أربعين يوما ، وإن قدم بعده فليس له أن ينفيه أصلا ، لأنه لو جاز ذلك لجاز بعدما صار شيخا وهو قبيح ، فلو بلغه الخبر في مدة النفاس فله نفيه إلى تمام الأربعين عند أبي حنيفة ومحمد .

وذكر في غير رواية الأصول عن أبي يوسف إذا بلغه الخبر لتمام الحولين ليس له نفيه ويلاعن . وقال محمد : لو نفاه بعد الحولين إلى أربعين يوما من حين بلغه يلاعن بينهما ويقطع نسبه




الخدمات العلمية