الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة رحمه الله ) وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه [ ص: 471 ] ويستسعيه لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه ، ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار لأن حقه في الحالين في أحد شيئين ، لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده ، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك [ ص: 472 ] فتعين الآخر وهو السعاية ، والولاء لهما لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له ، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي .

التالي السابق


( قوله ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة ) وعتق ( وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار ) العبد بذلك ( مكاتبا له ) أي في حكم المكاتب ( ويزعم أنه حرم عليه استرقاقه فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه [ ص: 471 ] ويستسعيه ) إن شاء أو يعتقه ( لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان ) في دعواه عتق الشريك ( أو صادقا لأنه مكاتبه ) إن كان صادقا ( أو مملوكه ) إن كان كاذبا ( فلهذا يستسعيانه ) أما في الصدق فظاهر ، وأما في الكذب فلتمكن الإنسان من أمر عبده أن يسعى ويأتيه بأكسابه ( ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار لأن حقه ) أي حق كل منهما ( في الحالين ) حال يسار الآخر وإعساره ( في أحد شيئين ) السعاية أو التضمين إلا أن في اليسار حقه في أحدهما من التضمين والسعاية غير عين وفي الإعسار حقه في أحدهما عينا وهو السعاية ، وهذا ( لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده ) أي عند أبي حنيفة ( وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك ) الإعتاق ، وشهادة الآخر ليست [ ص: 472 ] نافذة عليه لأنه فرد ويشهد لنفسه ، ولهذا لو كان الشركاء ثلاثة فشهد كل اثنين منهم على الآخر أنه أعتق لم تقبل للمعنى الثاني فإنهما يثبتان لأنفسهما حق التضمين أو يشهدان لعبدهما ، وإنما أثبتنا ما أثبتنا في المسألة المذكورة باعتراف كل منهما على نفسه بحرمة استرقاقه ضمنا للشهادة ( فتعين السعاية ) وهو عبد عند أبي حنيفة حتى يؤدي لأن المستسعى كالمكاتب .

وأورد أن التضمين غير متعذر لأنه لما أنكر يحلف ، فإن نكل جاز التضمين . وأجيب بأنه لما كان اعتقاد كل أن صاحبه هو الذي أعتقه يحلف ولا يجب الضمان فلا فائدة في التحليف لأن المآل إلى السعاية ، وهذا صريح في أن لا تحليف في المسألة وحينئذ لا معنى لقوله في الكتاب كاذبا كان أو صادقا ، بل يجب أن يحكم بصدق كل منهما .

وقال شارح : هذا كله أي تعين استسعائهما العبد إلخ بعد أن يحلف كل منهما على دعوى صاحبه لأن كلا يدعي على الآخر الضمان والضمان مما يصح به فيستحلف عليه وهو أوجه ، فيجب في الجواب المذكور وهو لزوم استسعاء كل منهما للعبد أنه فيما إذا لم يترافعا إلى قاض بل خاطب كل منهما الآخر بأنك أعتقت نصيبك وهو ينكر فإن هذه ليس حكمها إلا الاستسعاء ، أما لو أراد أحدهما التضمين أو أراداه ونصيبهما متفاوت فترافعا أو رفعهما ذو حسبة فيما لو استرقاه بعد قولهما فإن القاضي لو سألهما فأجابا بالإنكار فحلفا لا يسترق لأن كلا يقول : إن صاحبه حلف كاذبا واعتقاده أن العبد يحرم استرقاقه ولكل منهما استسعاؤه ، ولو اعترفا أنهما عتقا معا أو على التعاقب وجب أن لا يضمن كل الآخر إن كانا موسرين ، ولا يستسعى العبد لأنه عتق كله من جهتهما ، ولو اعترف أحدهما وأنكر الآخر فإن المنكر يجب أن يحلف لأن فيه فائدة ، فإنه إن نكل صار معترفا أو باذلا فصارا معترفين فلا تجب على العبد سعاية كما قلنا .




الخدمات العلمية