( ولو ) لم يكن إقرارا لانتفاء ثبوته بالمفهوم : أي لضعف دلالته فيما المطلوب فيه اليقين أو الظن الغالب وهو الإقرار ، وبذلك يندفع قول ( قال : لي عليك ألف ) أو اقض الألف الذي لي عليك فقال لا يلزمني اليوم تسليم ذلك التاج السبكي مضعفا له ، وهذا يقوله من يقصر المفاهيم على أقوال الشارع ، ووجه اندفاعه أنه يأتي حتى على الأصح المقرر في الأصول أن المفهوم يعمل به في غير أقوال الشارع لما قررناه من خروج الإقرار عن ذلك بمزيد احتياط ، ومن ثم أطلق رضي الله عنه أنه إنما يأخذ فيه باليقين ولا يستعمل الغلبة ، لكن مراده ما تقرر من إلحاق الظن القوي باليقين كما صرحوا به في أكثر مسائله ، ويؤيد ما ذكر قولهم لو الشافعي لم يلزمه شيء لأن نفي الزائد عليه لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه ، ولو قال : لي عليك ألف فقال : ليس لك أكثر من ألف بفتح اللام لم يكن إقرارا ، بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد . قال : لزيد علي أكثر مما لك
لا يقال يؤيد ما قاله التاج قول الروضة لو كان إقرارا به ، ففيه ثبوت الإقرار بالمفهوم لأنا نمنع التأييد ، إذ هذا في قوة ما اقترضت إلا هو ، ومفهوم هذه الصيغة وهي ثبوت اقتراضه أعلى المفاهيم ، بل ذهب جمع إلى صراحته فلا يقاس به مفهوم الظرف المختلف في حجيته ، ولا يرد على هذا قوله : إن المفهوم من هذه الألفاظ عرفا الإقرار ، وهذا صريح في العمل فيه بالمفهوم لأن محله في ألفاظ اطرد العرف في استعمالها مرادا منها ذلك ، وهذا لا نزاع في العمل به ، وكلامنا في مفهوم لفظ لم يطرد العرف في قصده منه ، ولو قال له أحد تينك الصيغتين ( فقال ) مع خمسين أو ( زن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك ) أو هو صحاح أو مكسرة ( فليس بإقرار ) لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في معرض الاستهزاء ( ولو قال ) في جواب : لي عليك مائة أو أليس لي عليك مائة ( بلى أو نعم أو صدقت ) أو أجل أو جير أو إي ( أو أبرأتني منه أو قضيته ) أو اقضي غدا وإن لم يأت بضمير وقياسه إن قضيت بدون ضمير كذلك ( أو أنا مقر به ) أو لا أنكر ما تدعي به ( فهو إقرار ) لأن الستة الأول موضوعة للتصديق . قال : أقرضتك كذا [ ص: 78 ] فقال : ما اقترضت غيره
نعم لو اقترن بواحد مما ذكر كصدقت ، ونحوه قرينة استهزاء كإيراد كلامه بنحو هز رأس وضحك مما يدل على التعجب والإنكار لم يكن به مقرا ، ولأن دعوى الإبراء أو القضاء اعتراف بالأصل ، ولو حذف منه لم يكن إقرارا لاحتماله الإبراء من الدعوى وهو لغو ، وكذا أقر أنه أبرأني أو استوفى مني كما أفتى به القفال ، وهي حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من الالتزام ، ويلحق به أبرأتني من هذه الدعوى ، ولأن الضمير في به عائد للألف المدعى بها فلا حاجة لقوله لك كما أجاب به السبكي عن قول الرافعي يحتمل أنه مقر لغيره عند حذف لك ، ولو سأل الحاكم المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال : عندي كان إقرارا ، قاله السبكي ، ولو قال : إن شهدا علي بكذا صدقتهما أو قالا ذلك فهو عندي أو صدقتهما لم يكن إقرارا لانتفاء الجزم ولأن الواقع لا يعلق ، بخلاف فهما صادقان لأنهما [ ص: 79 ] لا يكونان صادقين إلا إن كان عليه المدعى به الآن فيلزمه وإن لم يشهدا ، فلو قال : فهما عدلان فيما شهدا به فالأوجه أنه كقوله فهما صادقان لأنه بمعناه ، ولو قال لمن شهد عليه هو عدل أو صادق فليس بإقرار حتى يقول فيما شهد به ولو ادعى عليه بعين فقال : صالحني عما كان علي فهو إقرار بمبهم له المطالبة ببيانه ، ويفارق كان لك عندي أو علي ألف بأنه لما لم يقع جوابا عن شيء كان باللغو أشبه ، ولو كان إقرارا به كبعني بخلاف صالحني عنه به إذ ليس من ضرورة الصلح كونه بيعا حتى يكون ثم ثمن بخلاف الشراء ، ولو قال في جواب دعواه لا تدم المطالبة وما أكثر ما تتقاضى لم يكن إقرارا لانتفاء صراحته ، قاله ادعى عليه ألفا فأنكر فقال : اشتر هذا مني بالألف الذي ادعيته ابن العماد ، ولو كان إقرارا لتضمنه ذلك الملك للمخاطب عرفا ولم ينظروا إلى احتمال كون المخاطب وكيلا في البيع ولا إلى احتمال كون الوكيل باع ملك غير المخاطب لبعده عن المقام ، بخلاف قوله ملكتها على يدك لا يكون إقرارا لأن معناه كنت وكيلا في تمليكها ، ولو طالبه بوفاء شيء فقال بسم الله لم يكن إقرارا كما أفتى به قال في جواب دعوى عين بيده اشتريتها أو ملكتها منك أو من وكيلك الوالد رحمه الله تعالى .