( ويتصرف كل واحد ) من الملاك ( في ملكه على العادة ) في التصرف وإن تضرر به جاره أو أفضى لإتلاف ماله كأن سقط بسبب حفره المعتاد جدار جاره ، إذ المنع من ذلك ضرر لا جابر له ( فإن ) ( تعدى ) في تصرفه بملكه العادة ( ضمن ) ما تولد منه قطعا أو ظنا قويا كأن شهد به خبيران كما هو ظاهر لتقصيره ، ولهذا أفتى الوالد رحمه الله تعالى بضمان من جعل داره بين الناس معمل نشادر وشمه أطفال فماتوا بسبب ذلك لمخالفته العادة ( والأصح أنه يجوز ) للشخص ( أن ) ( يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما ) ولفظه مذكر وطاحونة ومدبغة وفرنا ( وإصطبلا وحانوته في البزازين حانوت حداد ) وقصار ونحو ذلك ( إذا احتاط وأحكم الجدران ) إحكاما لائقا بمقصده لتصرفه في خالص ملكه ولما في منعه من إضراره .
والثاني المنع للإضرار ، ورد بأن الضرر لا يزال بالضرر ، واختار جمع المنع من كل مؤذ لم يعتد ، والروياني أنه لا يمنع إلا إن ظهر منه قصد التعنت والفساد [ ص: 338 ] وأجرى ذلك في نحو إطالة البناء ، وأفهم كلام المصنف أنه يمنع بما الغالب فيه الإخلال بنحو حائط الجار كدق عنيف يزعجها وحبس ماء يملكه تسري ندواته إليها .
قال الزركشي : والحاصل منعه مما يضر الملك لا المالك انتهى .
ولا ينافيه ما مر من عدم المنع من حفر بئر بملكه لأن ذلك في حفر معتاد وما هنا في تصرفه غير معتاد .
فقد نقل رحمه الله تعالى عن الأصحاب أنه يتصرف كل شخص في ملكه على العادة ولا ضمان إذا أفضى إلى تلفه ، ومن قال يمنع مما يضر الملك دون المالك محله في تصرف يخالف فيه العادة لقولهم لو حفر بملكه بالوعة أفسدت ماء بئر جاره أو بئرا نقصت ماءها لم يضمن ما لم يخالف العادة في توسيع البئر أو تقريبها من الجدار أو لكون الأرض خوارة تنهار إذا لم تطو فلو لم يطوها فيضمن في هذه كلها ويمنع منها لتقصيره ، وشمل كلام المصنف ما لو كان له دار في سكة غير نافذة فله جعلها مسجدا أو حانوتا أو سبيلا وإن لم يأذن الشركاء خلافا لبعضهم كما علم ذلك مما مر في الصلح ، ولو حفر بئرا بموات فحفر آخر بئرا بقربها فنقص ماء البئر الأولى منع الثاني منه ، ووجهه أن الأول استحق حريما لبئره قبل حفر الثاني فمنع لوقوع حفره في حريم ملك غيره ولا كذلك فيما مر ، ولو اهتز الجدار بدقه وانكسر ما علق فيه لم يضمن كما قاله القاضي سواء أسقط في حال الدق أم لا خلافا للعراقيين .


