656 ص: قال - رحمه الله -: فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أباح الحرير لمن أباح له لبسه من الرجال للحكة التي كانت، فكان ذلك من علاجها، ولم يكن في إباحته ذلك لهم للعلل التي كانت بهم ما يدل على أن ذلك كان مباحا في غير تلك العلل، فكذلك أيضا ما أباحه رسول الله -عليه السلام- أبو جعفر للعرنيين للعلل التي كانت بهم، فليس في إباحته ذلك لهم دليل على أن ذلك مباح في غير تلك العلل، ولم يكن في تحريم لبس الحرير ما ينفي أن يكون حلالا في حال الضرورة، فكذلك حرمة البول في غير حال الضرورة ليس فيه دليل أنه حرام في حال الضرورة، فثبت بذلك أن قول النبي -عليه السلام- في الخمر: "إنها داء وليس شفاء"، إنما هو لأنهم كانوا يتشفون بها لأنها خمر؛ فذلك حرام، وكذلك قول عبد الله - عندنا -: إنما هو لما كانوا يفعلون بالخمر، لإعظامهم إياها، ولأنهم كانوا يعدونها شفاء في نفسها، فقال لهم: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم". "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"
فهذه وجوه هذه الآثار، فلما احتملت ما ذكرنا ولم يكن فيها دليل على طهارة الأبوال، احتجنا أن نراجع، فنلتمس ذلك من طريق النظر، فنعلم كيف حكمه؟ فنظرنا في ذلك، فإذا لحوم بني آدم كل قد أجمع أنها لحوم طاهرة، وأن أبوالهم حرام نجسة، فكانت أبوالهم باتفاقهم محكوما لها بحكم دمائهم، لا بحكم لحومهم، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك أبوال الإبل يحكم لها بحكم دمائها لا بحكم لحومها. فثبت بما ذكرنا أن فهذا هو النظر، وهو قول أبوال الإبل نجسة، أبي حنيفة: