الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                429 430 431 ص: وهذا الحديث أيضا فلم يسمعه الزهري من عروة، إنما دلس به؛ وذلك أن يونس حدثنا قال: نا شعيب بن الليث ، عن أبيه ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد ، عن عروة بن الزبير ، عن مروان بن الحكم ، قال: "الوضوء من مس الذكر. قال مروان: : أخبرتنيه بسرة بنت صفوان. ؟ ، فأرسل إلى بسرة، ؛ فقالت: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يتوضأ منه فذكر مس الذكر".

                                                قال أبو جعفر : ( -رحمه الله-: فصار هذا الأثر إنما هو عن الزهري ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، ) . فقد حط بذلك درجة؛ لأن عبد الله بن أبي بكر ليس حديثه عن عروة ، كحديث الزهري عن عروة ، ولا عبد الله بن أبي بكر في حديثه بالمتقن، ولقد حدثني يحيى بن عثمان قال: حدثنا ابن وزير ، قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت ابن عيينة يقول: كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عند واحد من نفر سماهم منهم: عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر ، سخرنا منه؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث، . وأنتم فقد تضعفون ما هو مثل هذا بأقل من كلام مثل ابن عيينة .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه إشارة إلى وجه آخر في سقوط العمل بحديث بسرة المذكور، وهو كونه مدلسا؛ وذلك لأن الزهري لم يسمعه من عروة، وإنما دلس به، بين ذلك ما رواه يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن شعيب بن الليث ... إلى آخره، فصار هذا الحديث عن الزهري ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة، وانحط بذلك درجة؛ وذلك لأن حديث عبد الله بن أبي بكر عن عروة ليس كحديث الزهري عن عروة في القوة، ولا عبد الله بن أبي بكر بالمتقن [1\ق120 -أ] في حديثه.

                                                واستدل على ذلك بما رواه الشافعي ، عن سفيان بن عيينة .

                                                [ ص: 86 ] رواه عن الشافعي محمد بن الوزير أحد مشايخ أبي داود، وأحد من أخذ عن الشافعي، روى عنه يحيى بن عثمان بن صلاح بن صفوان القرشي أبو زكريا المصري أحد مشايخ الطبراني وابن ماجه .

                                                قال ابن يونس: كان حافظا للحديث عالما.

                                                فإن قيل: عبد الله بن أبي بكر قد أخرج له الجماعة حتى قال النسائي فيه: ثبت.

                                                قلت: لا يلزم من إخراج الجماعة له ولا من قول النسائي أنه ثبت أن ينفي عنه ما تكلم فيه غيره ممن هو أكبر منهم، وكفى في ذلك قول الشافعي عن شيخه سفيان بن عيينة، ولا يعادل أحد منهم ابن عيينة، ولقد سقط بذلك أيضا ما ذكره البيهقي من حطه على الطحاوي في تضعيفه هذا الحديث قلت أيضا: ولم يخطر ببالي أن يكون إنسان يدعي معرفة الآثار والرواية ثم يطعن في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابنه عبد الله .

                                                وليت شعري لم لم يخطر ببال البيهقي ما نقله إمامه الشافعي عن ابن عيينة؟

                                                ثم اعلم أن التدليس على قسمين:

                                                الأول: تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمعه منه، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر، ومن شأنه ألا يقول في ذلك: أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما، وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأن الزهري لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن عروة عن مروان، فبينهما واحد وأسقطه في تلك الرواية ودلس به، وهذا القسم مكروه جدا ذمه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذما له، وعن الشافعي أن التدليس أخو الكذب .

                                                [ ص: 87 ] والقسم الثاني: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به؛ كي لا يعرف، وهذا القسم أخف من الأول.

                                                ثم هذا الطريق الذي فيه عبد الله بن أبي بكر أخرجه النسائي أيضا: أنا أحمد بن محمد بن المغيرة، قال: نا عثمان بن سعيد ، عن شعيب ، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: "ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك، فقلت: لا وضوء على من مسه. فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - عليه السلام - ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله - عليه السلام -: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان".

                                                قوله: "من نفر" قال الجوهري: النفر -بالتحريك- عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة و [كذا] النفير.

                                                قوله: "سماهم" جملة في محل الجر؛ لأنها وقعت صفة للنفر.

                                                قوله: "سخرنا منه" من سخرت منه أسخر، من باب علم يعلم، والمصدر: سخر بالتحريك، والاسم السخرية، والسخرى والسخرى -بالضم والكسر- يقال: سخرت منه وبه، وضحكت منه وبه، وهزئت منه وبه، كل ذلك يقال.




                                                الخدمات العلمية