[ ص: 397 ] الثامن : وهو مقدم الاعتراضات ، وبه بدأ الاستفسار في جمع . ومعناه : طلب شرح معنى اللفظ إذا كان غريبا أو مجملا . ابن الحاجب
ويقع ب ( هل ) ، وبالهمزة ونحوها مما يسأل به عن التصور . فيستفسر عن صورة المسألة . ومعنى المقدمات حتى يتفقا على موضع العلة . ومن الفقهاء من لم يسمع الاستفسار وهو غلط ، فإن محل النزاع إذا لم يكن متحققا فربما لم يكن بينهما خلاف ، وربما يسلم المعاند ويرجع إلى الموافقة عند تحقيق المدعي . والأصح . وقيل : بل على المستدل ، لأن شرط ظهور الدليل انتفاؤها عنه . . . والأصح الأول ، لأن الأصل عدم تفاوتهما ، فيبين المستدل عدمها أو يفسر بمحتمل . وفي دعواه الظهور في مقصوده دفعا للإجمال لعدم الظهور في الآخر خلاف . فإن اشتهر بالإجمال ، كالعين والقرء ، فلا يصح فيه دعوى الظهور قطعا . قاله أن بيان اشتمال اللفظ على الإجمال والقرابة على المعترض الشريف . وذكر الخوارزمي في " النهاية " أنه إذا لم يكن في اللفظ احتمال أصلا وعني به شيئا لا يحتمله لفظه ، فقيل : لا يسمع العناية لأن اللفظ غير محتمل له فكيف يكون تفسيرا لكلامه ؟
والحق أنه يسمع ، لأن غايته أنه ناطق بلغة غير معلومة ولكن بعدما عرف المراد وعرف اللغة فلا يلجأ إلى الناظر بالعربية . ورجح وغيره الأول . وقال ابن الحاجب العميدي : لا يلزمه التفسير .
[ ص: 398 ] واعلم أن في عد هذا من الاعتراضات نظرا ، لأنه طليعة جيشها وليس من أقسامها ، إذ الاعتراض عبارة عما يخدش به كلام المستدل ، والاستفسار ليس من هذا القبيل ، بل هو يعرف المراد ويبين له ليتوجه عليه السؤال ، فإذا هو طليعة السؤال ، فليس بسؤال . بل حكى الهندي أن بعض الجدليين أنكر كونه اعتراضا ، لأن التصديق فرع دلالة الدليل على المنازع . تنبيه :
أطلقوا أن علته البيان . وهذا حيث لا يكون المعترض متعنتا يقصد تغليط خصمه ، فإن كان اكتفى منه بالجواب المجمل . وهذا كما حكي عن اليهود أنهم سألوا عن الروح ، وهو لفظ مشترك بين القرآن ، وجبريل ، وعيسى ، وملك يقال له ( الروح ) ، وروح الإنسان . وأضمروا أنه إن قال لهم : الروح ملك قالوا : بل هو روح الإنسان . وإن قال : روح الإنسان قالوا : بل هو ملك أو غير ذلك من مسميات الروح ، فعلم الله مكرهم فأجابهم مجملا كسؤالهم بقوله : { قل الروح من أمر ربي } وهو يتناول المسميات الخمسة وغيرها . هكذا ذكره صاحب " الإيضاح في خلق الإنسان " وقال : هذا هو السبب في الإجمال ، لا أن حقيقتها غير معلومة للبشر ، إذ قد دلت قواطع الشرع على تعيينها ، فقد يجمل المستدل لفظا احتياطا لنفسه في ميدان النظر ، بحيث إن توجه سؤال المعترض على أحد معنيي اللفظ تخلص منه بتعيين كلامه بالمعنى الآخر .