4974 سورة النور : باب في قوله تعالى : « إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم
وقال النووي : (باب في حديث الإفك ، وقبول توبة القاذف ) .
(حديث الباب )
وهو بصحيح \ مسلم النووي ، ص 102 - 114 ، ج17 ، المطبعة المصرية
قال الإمام (حدثنا مسلم : أخبرنا حبان بن موسى ؛ أخبرنا عبد الله بن المبارك ، يونس بن يزيد الأيلي . ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي ، ومحمد بن رافع ، -قال : وعبد بن حميد : ابن رافع : حدثنا . وقال الآخران : أخبرنا -عبد الرزاق ؛ أخبرنا [ ص: 728 ] والسياق : حديث معمر . من رواية معمر ، عبد وابن رافع .
قال يونس ومعمر (جميعا (عن أخبرني الزهري ؛ سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ؛ عن حديث -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- عائشة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قالت : كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذا أراد أن يخرج سفرا : أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها : خرج بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، معه . عائشة
قالت فأقرع بيننا في -غزوة غزاها- فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، -وذلك بعد ما أنزل الحجاب- فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه : مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من غزوه وقفل ، ودنونا من عائشة : المدينة : آذن -ليلة- بالرحيل ، فقمت -حين آذنوا بالرحيل- فمشيت ، حتى جاوزت الجيش . فلما قضيت من شأني : أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقدي -من جزع ظفار- قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي ، فحملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب -وهم يحسبون أني فيه- .
[ ص: 729 ] قالت : وكانت النساء -إذ ذاك- خفافا ، لم يهبلن ، ولم يغشهن اللحم . إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم : ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه . وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي -بعد ما استمر الجيش- ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه . وظننت : أن القوم سيفقدوني ، فيرجعون إلي .
فبينا أنا جالسة في منزلي : غلبتني عيني ، فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني : قد عرس من وراء الجيش ، فادلج ، فأصبح عند منزلي : فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني -حين رآني- وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي ، فاستيقظت باسترجاعه ، حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ! ما يكلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة : غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش ، بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره : عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت -حين قدمنا المدينة- شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي : أني لا أعرف من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : اللطف الذي كنت أرى منه -حين أشتكي- إنما يدخل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيسلم ، ثم يقول : «كيف تيكم ؟ » فذاك يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح ، قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك [ ص: 730 ] قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا : أمر العرب الأول ، في التنزه . وكنا نتأذى بالكنف : أن نتخذها عند بيوتنا .
فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها : ابنة صخر بن عامر ، خالة وابنها : أبي بكر الصديق ، مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- .
فأقبلت أنا وبنت أبي رهم : قبل بيتي ، حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد مسطح . بدرا ؟
قالت : أي هنتاه ! أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وماذا قال ؟
قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي .
فلما رجعت إلى بيتي ، فدخل علي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم قال : «كيف تيكم ؟ » .
قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ -قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما- فأذن لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ! ما يتحدث الناس ؟
فقالت : يا بنية ! هوني عليك ، فوالله ! لقلما كانت امرأة -قط- وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر : إلا كثرن عليها .
قالت : قلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟
قالت : فبكيت -تلك الليلة- حتى أصبحت ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي . ودعا رسول الله ، صلى الله عليه [ ص: 731 ] وسلم : علي بن أبي طالب ، -حين استلبث الوحي- يستشيرهما في فراق أهله ؛ ، وأسامة بن زيد
قالت : فأما فأشار على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم : من الود ؛ فقال : يا رسول الله ! هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . أسامة بن زيد ،
وأما فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية : تصدقك . علي بن أبي طالب ،
قالت : فدعا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بريرة ، فقال : «أي بريرة ! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟ » .
قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ! إن رأيت عليها أمرا -قط- أغمصه عليها : أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله .
قالت : فقام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على المنبر ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ، ابن سلول ؛
قالت : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- : «يا معشر المسلمين ! ولقد ذكروا رجلا ، ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي : إلا معي » ، فقام من يعذرني من رجل ، قد بلغ أذاه في أهل بيتي . فوالله ! ما علمت على أهلي إلا خيرا ، الأنصاري ؛ فقال : أنا أعذرك منه ، يا رسول الله ! إن كان من سعد بن معاذ الأوس : ضربنا عنقه . وإن كان من إخواننا الخزرج : أمرتنا ، ففعلنا أمرك . قالت :
[ ص: 732 ] فقام -وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج- وكان رجلا صالحا ، ولكن اجتهلته الحمية ، فقال كذبت ، لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام لسعد بن معاذ : -وهو ابن عم أسيد بن حضير فقال سعد بن معاذ- ، لسعد بن عبادة : كذبت ، لعمر الله ! لنقتلنه ، فإنك منافق ، تجادل عن المنافقين .
فثار الحيان «الأوس ، والخزرج » ، حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قائم على المنبر . فلم يزل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يخفضهم حتى سكتوا ، وسكت .
قالت : وبكيت -يومي ذلك- لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم بكيت -ليلتي المقبلة- لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان : أن البكاء فالق كبدي .
فبينما هما جالسان عندي -وأنا أبكي- ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ؛ فجلست تبكي .
قالت : فبينا نحن على ذلك : دخل علينا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم جلس .
قالت : ولم يجلس عندي ، منذ قيل لي ما قيل -وقد لبث شهرا ، لا يوحى إليه في شأني بشيء- .
قالت : فتشهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -حين جلس- ثم قال : «أما بعد ! يا فإنه قد بلغني عنك : كذا ، وكذا . فإن كنت بريئة : فسيبرئك الله . وإن كنت ألممت بذنب : فاستغفري الله ، وتوبي إليه ؛ فإن العبد ، إذا اعترف بذنب ، ثم تاب : تاب الله عليه » . عائشة !
[ ص: 733 ] قالت : فلما قضى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مقالته : قلص دمعي ، حتى ما أحس منه قطرة ،
فقلت لأبي : أجب عني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيما قال .
فقال : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
فقالت : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
فقلت -وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن- : إني والله ! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في نفوسكم ، وصدقتم به ؛
فإن قلت لكم : إني بريئة (والله يعلم أني بريئة ) : لا تصدقوني بذلك .
ولئن اعترفت لكم بأمر (والله يعلم أني بريئة ) : لتصدقونني .
وإني -والله !- ما أجد لي ولكم مثلا ، إلا كما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون . قالت : ثم تحولت ، فاضطجعت على فراشي .
قالت : وأنا -والله !- حينئذ ، أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي . ولكن -والله !- ما كنت أظن أن ينزل -في شأني- وحي يتلى . ولشأني كان أحقر -في نفسي- من أن يتكلم الله عز وجل في : [ ص: 734 ] بأمر يتلى . ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم -رؤيا يبرئني الله بها .
قالت : فوالله ! ما رام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد ، حتى أنزل الله عز وجل ، على نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، فأخذه : ما كان يأخذه ، من البرحاء -عند الوحي- حتى إنه ليتحدر منه : مثل الجمان ، من العرق ، في اليوم الشات -من ثقل القول الذي أنزل عليه- .
قالت : فلما سري عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -وهو يضحك- ، فكان أول كلمة تكلم بها ؛ أن قال : «أبشري يا أما الله فقد برأك » . عائشة !
فقالت لي أمي : قومي إليه . فقلت : والله ! لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله ، هو الذي أنزل براءتي .
قالت : فأنزل الله عز وجل : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم عشر آيات .
فأنزل الله عز وجل : هؤلاء الآيات ، براءتي .
قالت : فقال أبو بكر ، -وكان ينفق على لقرابته منه ، وفقره- : والله ! لا أنفق عليه : شيئا أبدا -بعد الذي قال مسطح - ، فأنزل الله عز وجل : لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم .
قال قال حبان بن موسى : هذه أرجى آية في كتاب الله . عبد الله بن المبارك :
[ ص: 735 ] فقال أبو بكر : والله ! إني لأحب أن يغفر الله لي ؛ فرجع إلى النفقة ، التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا . مسطح :
قالت وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سأل عائشة : صلى الله عليه وسلم ) عن أمري : ما علمت ؟ أو ما رأيت ؟ زينب بنت جحش (زوج النبي
فقالت : يا رسول الله ! أحمي سمعي ، وبصري . والله ! ما علمت إلا خيرا . قالت وهي التي كانت تساميني -من أزواج النبي ، صلى الله عليه وسلم- ، فعصمها الله بالورع . وطفقت أختها عائشة : «حمنة بنت جحش » تحارب لها ، فهلكت -فيمن هلك- . حين قال : لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله مما قالوا . وكلهم حدثني طائفة من حديثها . وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت اقتصاصا . وقد وعيت عن كل واحد منهم : الحديث الذي حدثني . وبعض حديثهم يصدق بعضا ؛ ذكروا : أن
قال فهذا ما انتهى إلينا ، من أمر هؤلاء الرهط . الزهري :
وقال -في حديث يونس- : احتملته الحمية ) .