إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا .
[7] إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم لأن ثوابه لها .
وإن أسأتم فلها فإن وبالها عليها .
فإذا جاء وعد الآخرة أي : عقاب المرة الآخرة من إفسادكم ، وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلام حين رفع ، وتقدم ذكر قصتهم مستوفى في سورة آل عمران ، وقتلهم يحيى عليه السلام ، وسببه أن عيسى عليه السلام كان قد حرم نكاح بنت الأخ ، فكان لهرودوس ، وهو الحاكم على بني [ ص: 82 ] إسرائيل بنت أخ ، وأراد أن يتزوجها كما هو جائز في ملة اليهود ، فنهاه يحيى عن ذلك ، فطلبت أم البنت من هرودوس أن يقتل يحيى ، فلم يجبها إلى ذلك ، فعاودته ، وسألته البنت أيضا ، وألحت عليه ، فأجابهما إلى ذلك ، وأمر بيحيى فذبح ووضع رأسه بين يدي هرودوس ، فكان الرأس يتكلم ويقول : لا تحل لك ، واستمر غليان دمه ، فأمر بتراب فألقي عليه حتى بلغ سور المدينة ، فما زاد إلا انبعاثا ، فبعث الله عليهم ملكا من جهة المشرق من ملوك بابل يقال له : حردوس ، فقتل منهم على دم يحيى سبعين ألفا إلى أن سكن دمه ، وزعم قوم أن بخت نصر هو الذي غزاهم وقتلهم على دم يحيى ، وليس بصحيح ؛ لأن بخت نصر خرب بيت المقدس قبل ولادة يحيى بنحو خمس مئة سنة ، ثم غزاهم طيطوس الرومي ، وكان محل ملكه مدينة روما من بلاد الفرنج ، فقصد بيت المقدس ، وأوقع باليهود وقتلهم وأسرهم على آخرهم إلا من اختفى ، ونهب القدس وخربه ، وخرب البيت المقدس ، وأحرق الهيكل ، وخلا القدس من بني إسرائيل كأن لم تغن بالأمس ، وكانت أعظم الوقعتين ، فلم يعد لهم بعد ذلك رئاسة ولا حكم ، وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة ، وبين هذا التخريب والهجرة الشريفة خمس مئة وثمان وخمسون سنة بالتقريب ، فذلك قوله تعالى :
ليسوءوا أي : بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم يخزوها ، ويدخلوا عليها الغم والحزن ، والضمير لأولي البأس الشديد . قرأ : (لنسوء ) بالنون ونصب الهمزة على التعظيم إخبارا من الله عن نفسه ، وقرأ الكسائي ، ابن عامر ، وحمزة ، وخلف عن وأبو بكر : (ليسوء ) بالياء ونصب الهمزة ؛ [ ص: 83 ] أي : ليسوء الله وجوهكم ، وقرأ الباقون : بالياء وضم الهمزة وبعدها واو الجمع على المعنى الأول . عاصم
وليدخلوا المسجد أي : بيت المقدس .
كما دخلوه أول مرة من المرتين .
وليتبروا يهلكوا ما علوا غلبوا عليه تتبيرا مصدر .
* * *