الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف : 110] .

[110] قل إنما أنا بشر آدمي مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد منزه عما لا يليق به ، وكان كفرهم بعبادة الأصنام ، فلذلك خصص هذا الفعل فيما أوحي إليه فمن كان يرجو لقاء ربه يأمل حسن لقائه .

فليعمل عملا صالحا خالصا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا لا يرائي بعمله .

قال ابن عباس : نزلت في جندب بن زهير العامري ، قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أعمل العمل لله تعالى ، فإذا اطلع عليه ، سرني ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، ولا يقبل ما شورك فيه" ، فنزلت .

وعنه -عليه السلام- : "اتقوا الشرك الأصغر" ، قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : "الرياء" . [ ص: 228 ]

وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ، عصم من فتنة الدجال" .

وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ سورة الكهف ، فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة ، فإن خرج الدجال في الأيام الثمانية ، عصمه الله من فتنة الدجال" .

وروي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ، فذكر الدجال ، فقال : "آت بين يديه ثلاث سنين : سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله ، والأرض نباتها كله ، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك ؛ وإن من أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ، ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا ، وأعظمه أسنمة ، قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ، ومات أبوه ، فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك ، وأحييت لك أخاك ، ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيمثل له الشياطين نحو أبيه وأخيه ، قالت : ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته ، ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به ، فأخذ بلحمتي الباب ، فقال : مهيم أسماء ؟ قلت : يا رسول الله! لقد خلعت [ ص: 229 ] أفئدتنا بذكر الدجال ، قال : إن يخرج ، فأنا حجيجه ، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن ، قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله! والله إنا لنعجنن عجيننا ، فما نخبزه حتى نجوع ، فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال : يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس" .

ومما ورد في أمر الدجال : ما روي عن الضحاك أنه قال : "الدجال ليس له لحية ، وافر الشارب ، طول وجهه ذراعان ، وقامته في السماء ثمانون ذراعا ، وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا ، ثيابه وخفاه وسرجه ولجامه بالذهب والجوهر ، وعلى رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر ، هيئته المجوس ، وكلامه الفارسية ، تطوى له الأرض ولأصحابه طيا طيا ، يطأ مجامعها ، ويرد مناهلها إلا المساجد الأربعة : مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الطور" .

وفي الحديث الشريف : أن عينه اليمنى طافية . [ ص: 230 ]

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : "إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكنني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور ، وأن الله ليس بأعور" .

وعن خالد بن معدان قال : عصمة المؤمنين من المسيح الدجال بيت المقدس .

وعن ربيعة بن يزيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم جنود الدجال ببطن الأردن ، بينكم النهر ، أنتم غربيه ، وهم شرقيه" ، قال ربيعة : فقال المحدث من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فما سمعت بنهر الأردن إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والأردن هو نهر الشريعة المذكور في قوله تعالى : إن الله [ ص: 231 ] مبتليكم بنهر [البقرة : 249] ، وهو شرقي بيت المقدس ، ومسافته عنه نحو يوم .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم التيجان" .

ويرويه أبو أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو تاج وسيف محلى" .

وروي أن نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من حجارة بيت المقدس ثلاثة أحجار : الأول منها يقول : باسم إله إبراهيم ، والثاني : باسم إله إسحاق ، والثالث باسم إله يعقوب ، ثم يخرج بمن تبعه من المسلمين إلى الدجال ، فإذا رآه ، انهزم عنه ، فيدركه عند باب لد ، فيرميه بأول حجر ، فيضعه بين عينيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فيقع ، فيضربه عيسى فيقتله ، فيقتل الدجال واليهود ، حتى إن الحجر والشجر ليقولان : يا مؤمن هذا تحتي يهودي ، فأته فاقتله . [ ص: 232 ]

قال - صلى الله عليه وسلم - : "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير" .

وأما لد ، فهي بليدة بأرض فلسطين شمالي مدينة الرملة ، مسافتها عن بيت المقدس نحو يوم ، والله أعلم .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية