الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .

[85] روى عبد الله بن مسعود : أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمر على حرث بالمدينة ، وإذا فيه جماعة من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فإن أجاب فيه ، عرفتم أنه ليس بنبي ، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله تعالى بعلمه ، ولا يطلع عليه أحدا من عباده ، قال ابن مسعود : وقال بعضهم : لا تسألوه ؛ لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه ، [ ص: 127 ] قال : فسألوه ، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئا على عسيب ، فظننت أنه يوحى إليه ، ثم تلا عليهم : ويسألونك عن الروح .

قال الجمهور : وقع السؤال عن الأرواح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي ؟ فالروح اسم جنس على هذا ، وهو الشكل الذي لا تفسير له ، وفسرها جمهور المتكلمين بجسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر ، وقال كثير منهم : إنها عرض ، وهي الحياة التي صار البدن بوجودها حيا ، قال السهروردي : ويدل للأول وصفها في الأخبار بالهبوط والعروج والتردد في البرزخ ، وقيل : هو جبريل ، أو ملك أعظم منه ومن جميع الملائكة ، وقيل : عيسى عليه السلام ، وقيل : القرآن ، قال ابن عطية : والأول أظهرها وأصوبها ، قال الكواشي : واختلفوا فيه ، وفي ماهيته ، ولم يأت أحد منهم على دعواه بدليل قطعي ، غير أنه شيء بمفارقته يموت الإنسان ، وبملازمته له يبقى .

ثم أومأ تعالى إلى تعذر معرفته حقيقة بقوله : قل الروح من أمر ربي أي : من علمه وما أوتيتم أيها المؤمنون والكافرون .

من العلم إلا قليلا في جنب علم الله تعالى ، فالخطاب في هذا لجميع العالم ، وهو الصحيح .

وحكي أن عظيم الروم كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن الروح ، فكتب له الإمام عمر الآية الشريفة [ ص: 128 ] ويسألونك عن الروح إلى آخرها ، فأرسل عظيم الروم إليه أن هذا الجواب لا يكفيني ، وإنما أريد جوابا أفهمه ، فقال الإمام عمر : "لا أعرف غير ذلك" ، وكان ذلك بحضور الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فاستأذن الإمام عمر في رد جواب عظيم الروم ، فأذن له ، فكتب : "بسم الله الرحمن الرحيم ، الروح لطيفة ربانية ، نزلت من الخزائن الرحمانية ، أودعت في الهياكل الجثمانية ، ضمن لها رزقها ، وجعلها عندك رهنا ، فإذا وفى بما ضمن ، أخذ ما رهن" ، انتهى .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية