ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
[85] روى : عبد الله بن مسعود بالمدينة ، وإذا فيه جماعة من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فإن أجاب فيه ، عرفتم أنه ليس بنبي ، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله تعالى بعلمه ، ولا يطلع عليه أحدا من عباده ، قال : وقال بعضهم : لا تسألوه ؛ لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه ، [ ص: 127 ] قال : فسألوه ، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئا على عسيب ، فظننت أنه يوحى إليه ، ثم تلا عليهم : ابن مسعود ويسألونك عن الروح . أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمر على حرث
قال الجمهور : وقع السؤال عن الأرواح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي ؟ فالروح اسم جنس على هذا ، وهو الشكل الذي لا تفسير له ، وفسرها جمهور المتكلمين بجسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر ، وقال كثير منهم : إنها عرض ، وهي الحياة التي صار البدن بوجودها حيا ، قال السهروردي : ويدل للأول وصفها في الأخبار بالهبوط والعروج والتردد في البرزخ ، وقيل : هو جبريل ، أو ملك أعظم منه ومن جميع الملائكة ، وقيل : عيسى عليه السلام ، وقيل : القرآن ، قال ابن عطية : والأول أظهرها وأصوبها ، قال الكواشي : واختلفوا فيه ، وفي ماهيته ، ولم يأت أحد منهم على دعواه بدليل قطعي ، غير أنه شيء بمفارقته يموت الإنسان ، وبملازمته له يبقى .
ثم أومأ تعالى إلى تعذر معرفته حقيقة بقوله : قل الروح من أمر ربي أي : من علمه وما أوتيتم أيها المؤمنون والكافرون .
من العلم إلا قليلا في جنب علم الله تعالى ، فالخطاب في هذا لجميع العالم ، وهو الصحيح .
وحكي أن عظيم الروم كتب إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه يسأله عن الروح ، فكتب له الإمام عمر الآية الشريفة [ ص: 128 ] عمر بن الخطاب ويسألونك عن الروح إلى آخرها ، فأرسل عظيم الروم إليه أن هذا الجواب لا يكفيني ، وإنما أريد جوابا أفهمه ، فقال الإمام : "لا أعرف غير ذلك" ، وكان ذلك بحضور الإمام عمر رضي الله عنه ، فاستأذن الإمام علي بن أبي طالب في رد جواب عظيم الروم ، فأذن له ، فكتب : "بسم الله الرحمن الرحيم ، الروح لطيفة ربانية ، نزلت من الخزائن الرحمانية ، أودعت في الهياكل الجثمانية ، ضمن لها رزقها ، وجعلها عندك رهنا ، فإذا وفى بما ضمن ، أخذ ما رهن" ، انتهى . عمر
* * *