الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التاسع : أن يتذكر عند النوم أن النوم نوع وفاة ، والتيقظ نوع بعث ، قال الله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقال : وهو الذي يتوفاكم بالليل فسماه توفيا وكما أن المستيقظ تنكشف له مشاهدات لا تناسب أحواله في النوم فكذلك المبعوث يرى ما لم يخطر قط بباله ولا شاهده حسه ، ومثل النوم بين الحياة والموت مثل البرزخ بين الدنيا والآخرة وقال لقمان لابنه يا بني : إن كنت تشك في الموت فلا تنم فكما أنك تنام كذلك تموت وإن كنت تشك في البعث فلا تنتبه ، فكما أنك تنتبه بعد نومك فكذلك تبعث بعد موتك .

وقال كعب الأحبار : إذا نمت فاضطجع على شقك الأيمن ، واستقبل القبلة بوجهك ؛ فإنها وفاة وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما يقول حين ينام ، وهو واضع خده على يده اليمنى ، وهو يرى أنه ميت في ليلته تلك " اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ومليكه " الدعاء إلى آخره ، كما ذكرناه في كتاب الدعوات

التالي السابق


( التاسع: أن يتذكر عند النوم أن النوم نوع وفاة، والتيقظ نوع بعث، قال الله تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) أي: يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلقها وتصرفها فيها ظاهرا أو باطنا وذلك في الموت، أو ظاهرا لا باطنا وهو في النوم .

وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن في ابن آدم نفسا وروحا، بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والحياة، فيتوفيان عند الموت، ويتوفى النفس وحدها عند النوم".

( وقال تعالى: وهو الذي يتوفاكم بالليل ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ( سماه) أي: النوم ( توفيا) والوفاة: الموت، وقد توفاه أي: أماته، وتوفي الميت مبنيا للمعلوم والمجهول إذا مات .

( وكما أن المستيقظ) من نومه ( تنكشف له مشاهدات لا تناسب أحواله في النوم فكذلك) المبعوث من قبره ( يرى ما لم يخطر بباله) من الأحوال ( ولا شاهده جسمه، ومثل النوم بين الحياة والموت) عند أهل الاعتبار ( مثل البرزخ بين الدنيا والآخرة) فعالم النوم شبيه بعالم البرزخ، فإذا كشف حجاب النوم ظهرت الدنيا بالحكمة، كذلك إذا كشف الغطاء ظهرت الآخرة بالقدرة، فصارت الدنيا كالأحلام في النوم .

( و) من هنا ( قال لقمان لابنه: إن كنت تشك في الموت فلا تنم) فإن النوم أخو الموت ( فكما أنك تنام كذلك تموت) فالنوم غشيته ثقيلة، تهجم على القلب فتغطيه عن المعرفة، والموت حال خفاء وغيب، يضاف إلى ظاهر عالم يتأخر عنه أو يتقدمه، تفقد فيه خواص ذلك الظهور الظاهرة، وقد يطلق الموت على النوم؛ ولذا قيل: النوم موت ضعيف، والموت نوم ثقيل، وعليه سماه الله توفيا .

( وإن كنت تشك في بعثك) من القبور ( فلا تنتبه، فكما أنك تنتبه بعد نومك فكذلك تبعث بعد موتك) أي: تكون في بعثك بعد الموت كانتباهك بعد النوم .

( وقال كعب الأحبار: إذا نمت فاضطجع على شقك الأيمن، واستقبل القبلة بوجهك؛ فإنها وفاة) نقله صاحب القوت، وهو أحد وجهي الاستقبال عند النوم، وقد ذكر قريبا .

( وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر ما يقول حين ينام، وهو واضع خده على يده اليمنى، وهو يرى أنه ميت في ليلته تلك) هذه الكلمات: ( "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء ومليكه" الدعاء إلى آخره، كما ذكرناه في الدعوات) ذكره المصنف هناك دون وضع الخد على اليد، وهو من حديث حفصة -رضي الله عنها- وتقدم الكلام عليه هناك .

وقال صاحب القوت: وروينا عن مطرف، عن الشعبي، عن عائشة، قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر ما يقول حين ينام" فذكره إلى آخره .




الخدمات العلمية