الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السادس : الموحد المستغرق بالواحد الصمد الذي أصبح وهمومه هم واحد فلا يحب إلا الله تعالى ولا يخاف إلا منه ولا يتوقع الرزق من غيره ولا ينظر في شيء إلا ويرى الله تعالى فيه

التالي السابق


(السادس: الموحد المستغرق بالواحد الصمد) جل جلاله (الذي أصبح وهمه هم واحد) قد انسلخ من شهوات نفسه وهواها وهمها، فلم يبق فيه متسع لغيره، ولم يكن همه سوى الله تعالى، وهو المشار إليه في الخبر الذي رواه الحاكم، عن ابن عمر: " من جعل الهموم هما واحدا، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة، ومن تشاعبت به الهموم لم يبال الله به في أي أودية الدنيا هلك"، (فلا يحب إلا الله عز وجل) ، وآيته أن يكثر من ذكره، ففي حديث عائشة: " من أحب شيئا أكثر من ذكره". رواه أبو نعيم (ولا يخاف إلا منه) إذ ليس في نظره سواه، ومن كان كذلك لا يخاف إلا منه، روى أبو الشيخ عن واثلة: " من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء".

وروى الترمذي عن أنس: " من خاف أولج، ومن أولج بلغ المنزل" وقال: حسن غريب. وروى الديلمي عن أنس: " من خاف شيئا حذره، ومن رجا شيئا عمل له، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية". (ولا يتوقع الرزق من غيره) إذ لا كافي في الحقيقة إلا هو، والأرزاق بيد الخلاق، فالعارف في تحصيل رزقه لا يتعدى نظره إلى غيره سبحانه، (ولا ينظر في شيء إلا ويرى الله عز وجل فيه) ومعه، وهذه درجة العلماء الراسخين، فإليها الإشارة بقوله: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم .

وصاحب هذه الدرجة صاحب استدلال بالآيات، وأعلى من هذا من يرى شيئا فيرى الله قبله، وإليه الإشارة بقوله: أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد .

وصاحب هذا المقام صاحب مشاهدة، وهي درجة الصديقين، وليس بعدهما إلا درجة الغافلين المحجوبين، فمنهم من يرى الأشياء به، ومنهم من يرى الأشياء فيراه بالأشياء، وتحقيق ذلك أن كل ما سواه فوجوده مستعار، وقوامه ليس بنفسه، ونسبة المستعار إلى المستعير مجاز محض، أفترى أن من استعار ثيابا وفرسا وركبا وسرجا وركبه في الوقت الذي أركبه المعير، وعلى الحد الذي رسمه له غني بالمجاز أو بالحقيقة، أو أن المعير هو الغني أو المستعير، كلا بل المستعير فقير في نفسه كما كان، وإنما الغني هو المعير الذي منه الإعارة والإعطاء وإليه الاسترداد والانتزاع .




الخدمات العلمية