الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومما يجب عليها من حقوق النكاح ، إذا مات عنها زوجها : أن لا تحد عليه أكثر من أربعة أشهر وعشر وتتجنب ، الطيب ، والزينة في هذه المدة قالت زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها ، أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة ، خلوق ، أو غيره ، فدهنت به جارية ، ثم مست بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا .

التالي السابق


(ومما يجب عليها من حقوق النكاح، إذا مات عنها: أن لا تحد عليه أكثر من أربعة أشهر وعشر ليال، تجتنب في تلك المدة الطيب، والزينة) وهذا معنى الإحداد، وأصل الحد: المنع، وفيه لغتان، أحدت المرأة على زوجها إحدادا، فهي محد، ومحدة، وحدت، تحد، من باب ضرب، وقتل، وحدادا بالكسر، فهي حاد، بغير هاء، إذا تركت الزينة لموته، وأنكر الأصمعي الثلاثي، واقتصر على الرباعي، فهي تترك الزينة، والطيب، والكحل، والدهن، إلا لعذر، والحناء، ولبس المعصفر، والمزعفر إن كانت بالغة، مسلمة; لقوله -صلى الله عليه وسلم- في المتفق عليه: أنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، ولا تمس طيبا، إلا إذا طهرت نبذة من قسط، أو أظفار.

وعند أحمد، وأبي داود، والنسائي: المتوفى عنها زوجها، لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل، واختلف في الزيت البحت، والشيرج البحت، والسمن، وغير ذلك، والصحيح: لا; لأنها تلين الشعر، فيكون زينة، إلا إذا كان ضرر ظاهر، ولا تمتشط بالأسنان الضيقة، بل بالأسنان الواسعة، المتباينة; لأن الضيقة لتحسين الشعر، والزينة، والمتباعدة لدفع الأذى، ولا تلبس الحرير; لأن فيه زينة، إلا لضرورة، مثل: أن يكون بها حكة، أو قمل، وكذا الممشق، وهو المصبوغ بالمشق، وهو المغرة، ولا بأس بلبسه للضرورة; إذ ستر العورة واجب، والمراد بالثياب المذكورة: الجديد منها، أما لو كان خلقا، بحيث لا تقع به الزينة، فلا بأس به .

وقول المصنف: أكثر من أربعة أشهر، قبل الدخول، أو بعده; لقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولحديث أم حبيبة، الآتي قريبا، هذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، والآية بإطلاقها، حجة على مالك، في الكتابية، حيث أوجب الاستبراء عليها فقط إن كانت مدخولا بها، ولم يوجب شيئا على غير المدخول بها، وقال الأوزاعي: عمدة الوفاء: أربعة أشهر، وتسعة أيام، وعشر ليال، أخذا من قوله تعالى: أربعة أشهر وعشرا ومن الحديث الآتي; لأن العشر مؤنث، لحذف التاء، فيتناول الليالي، ويدخل ما في خلالها من الأيام ضرورة، قلنا: إذا تناول الليالي، يدخل ما بإزائها من الأيام، فكذا اللغة، والتاريخ، بالليالي; فلهذا حذفت التاء .

(قالت زينب بنت أم سلمة) هي زينب ابنة أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، المخزومية، ربيبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولدت بأرض الحبشة، وهي التي كانت اسمها برة، فسماها النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب، روت عنه، وعن أمها، أم سلمة، وعن زينب بنت جحش، وعن أم حبيبة، وعدة، وعنها عروة، وأم سلمة، وأبو سلمة، توفيت سنة ثلاث وسبعين، روى لها الجماعة (دخلت على أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان القرشية، الأموية (زوج النبي [ ص: 409 ] -صلى الله عليه وسلم-) وكانت شقيقة حنظلة بنت أبي سفيان، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي بأرض الحبشة، سنة ست، أو سبع، توفيت سنة أربع وأربعين، وقيل: لتسع وخمسين، قبل أخيها معاوية (حين توفي أبوها، أبو سفيان صخر بن حرب) بن أمية القرشي، الأموي، ولد قبل الفيل بعشر سنين، وأسلم يوم الفتح، شهد الطائف، ففقئت عينه يومئذ، وأعميت عينه الأخرى يوم اليرموك، مات سنة تسع مضين من إمارة عثمان، وقيل: سنة 32 وهو ابن ثمان وثمانين، وقيل: سنة 31 ، وقيل: سنة 32 ، وقال ابن منده: سنة 37 ، وصلى عليه عثمان (فدعت بطيب فيه صفرة، خلوق، أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام، إلا على زوج) فإنها تحد عليه (أربعة أشهر وعشرا) .

قال العراقي: متفق عليه، قلت: رواه عبد الرزاق، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن أم حبيبة، وزينب بنت جحش، ورواه مالك، وعبد الرزاق أيضا، وأحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن حفصة، عن عائشة، ورواه النسائي أيضا، عن أم سلمة، ولفظهم كلهم: فوق ثلاث ليال. بدل قوله: أكثر من ثلاثة أيام. ورواه أيضا أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أم عطية، بلفظ: فوق ثلاث إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، ولا تمس طيبا، إلا إذا طهرت من حيضها، من قسط، وأظفار.



(تنبيه) * .

قال الشافعي: لا إحداد على المطلقة; لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة زوج، وفي تعهدها إلى الممات، وهذا قد أوحشها بالفراق، فلا تتأسف عليه، وقال أبو حنيفة: تحد معتدة البت; لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: أنهى المعتدة أن تختضب بالحناء. رواه النسائي، وهو مطلق، فيتناول المطلقة، ولأنه يجب إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح، الذي هو سبب لصونها، أو كفاية مؤنتها، والإبانة أقطع لها من الموت، حتى كان لها غسله ميتا قبل الإبانة، لا بعدها، فإن قيل: كيف يجب التأسف عليها، وقد قال الله تعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ؟ قلنا: المراد به: الفرح، والأسى بصياح، نقل ذلك عن ابن مسعود، وأما بدون الصياح، فلا يمكن التحرز عنه، فإن المختلعة وقع الفراق باختيارها، فكيف تتأسف عليه بعد ذلك؟! وكذا البائنة بغير الخلع، قد جفاها، فكيف يتصور أن تتأسف عليه، ولو كان كما قلتم من فوات نعمة النكاح، لما وجب عليها; إذ هي تختار صده، وكان ينبغي أن يجب على الرجل أيضا; لأنه فاته نعمة النكاح. قلنا: يعتبر الأعم الأغلب، ولا ينظر إلى الأفراد، وكم من النساء من يتمنى موت الزوج، وتفرح بموته، ومع هذا يجب الإحداد عليها; لما قلنا، وهو تبع للعدة، فلو وجب على الرجل، لوجب مقصودا، وهو غير مشروع; ولهذا لا يحل لها ذلك على غير الزوج، كالولد، والأبوين، وإن كان أشد عليها من الزوج; لفقد العدة .



(فصل)

قال أصحابنا: لا يجب الإحداد على أم الولد، إذا أعتقها سيدها، ولا على المعتدة من نكاح فاسد; لأن الإحداد لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح، ولم تفتهما نعمة النكاح، وكذا لا إحداد على كافرة، ولا على صغيرة; لأنهما غير مخاطبين بحقوق الشرع; إذ هي عبادة، ولذلك شرط فيه الإيمان، بخلاف العدة، فإنها حق الزوج، فتجب على الكل، ولا إحداد على المطلقة الرجعية; لأن نعمة النكاح لم تنتهي، إذ النكاح باق فيها، حتى يحل وطؤها، وتجري فيها أحكام الزوجات، وعلى الأمة الإحداد; لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى، إذا لم يكن فيها إبطال حق المولى، بخلاف الزوج; لأنها لو منعت عنه لبطل حق المولى في الاستخدام، وحق المولى مقدم على حق الشرع; لحاجته، وعلى حق الزوج، ألا ترى أنه لا يبوئها بيت الزوج حال قيام النكاح، وبعد قيام النكاح، وبعد زواله أولى، حتى لو كانت مبوأة في بيت الزوج، لا يجوز لها الخروج إلا أن يخرجها المولى، وعن محمد: أن لها الخروج; لعدم وجوب حق الشرع .

وأم الولد، والمدبرة، والمكاتبة، ومعتقة البعض، عند أبي حنيفة، كالقنة; لوجود الرق فيهن، والله أعلم .




الخدمات العلمية