الثاني : أن يظهر جميع عيوب المبيع ، خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة ، والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل ، وأمثاله ويدل على ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فيه فرأى بللا فقال : ما هذا قال ؟ : أصابته السماء فقال : فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟! من غشنا فليس منا . تحريم الغش :
ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع جريرا على الإسلام ذهب لينصرف فجذب ، ثوبه واشترط عليه النصح لكل مسلم .
فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر ، عيوبها ، ثم خيره وقال : إن شئت فخذ ، وإن شئت فاترك ، فقيل له : إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال : إنا
وكان واثلة بن الأسقع واقفا فباع رجل ناقة له بثلاثمائة درهم فغفل ، واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة ، فسعى وراءه ، وجعل يصيح به ، يا هذا أشتريتها ، للحم ، أو للظهر فقال : بل للظهر ، فقال : إن بخفها نقبا قد رأيته وإنها لا تتابع السير فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم ، وقال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم . لواثلة رحمك الله ، أفسدت علي بيعي ، فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه .
فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا أنه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم ، وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين .
أحدهما : أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ببركته ، وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دفعة واحدة فقد حكي أن واحدا كان له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه ، فجاء سيل فغرق البقرة ، فقال بعض أولاده : إن تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة واحدة ، وأخذت البقرة .
كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعهما .
وفي الحديث : يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما .
فإذا لا يزيد مال من خيانة كما لا ينقص من صدقة من لا ، يعرف الزيادة والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث .
ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سببا لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف معنى قولنا إن
والمعنى الثاني الذي لا بد من اعتقاده ليتم له النصح ويتيسر عليه أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا وأن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر وتبقى مظالمها ، وأوزارها فكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم . الخيانة لا تزيد في المال ، والصدقة لا تنقص منه .
وفي لفظ آخر وفي حديث آخر : ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم ، فإذا فعلوا ذلك ، وقالوا : لا إله إلا الله ، قال الله تعالى : كذبتم لستم بها صادقين
من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة . قيل : وما إخلاصه ؟ قال : أن يحرزه عما حرم الله .
وقال أيضا :
ما آمن بالقرآن من استحل محارمه