وأيضا فالمعلوم بالبديهة هو أن كما ذكره من أن كفتي الميزان لا تترجح إحداهما على الأخرى إلا بمرجح، وأن هذا معلوم بصريح العقل. وإذا كان كذلك، فطريقة المتكلمين من الذين قالوا: لا يختص بوقت دون وقت إلا بمخصص، كما قاله ترجيح أحد المتماثلين من كل وجه على نظيره لا يكون إلا بمرجح، القاضي أبو بكر، والقاضي أبو يعلى، وأبو الحسين البصري، وأبو المعالي، وابن عقيل، وأمثال هؤلاء من نظار المسلمين - خير من طريقة الذين احتجوا بأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح. كما فعل ذلك وابن الزاغوني، ابن سينا، المقتول، والسهروردي والرازي، وأمثال هؤلاء، فإن هؤلاء بنوا ذلك على أن الممكن لا يترجح أحد طرفي وجوده وعدمه على الآخر إلا بمرجح. والآمدي،
ومن المعلوم أن العلم بكون أحد الأمرين لا يترجح على الآخر إلا بمرجح يظهر في الأمرين المتماثلين من كل وجه، كما ذكروه في كفتي الميزان، فإما إذا قدرناهما متساويتين، لم يترجح إحداهما على الأخرى إلا بمرجح. [ ص: 119 ]
وكذلك الأوقات المتماثلة، إذا اختص وقت عن وقت بحدوث الحادث فيه، كان ذلك التخصيص تخصيصا لأحد المثلين على الآخر، والتخصيص ترجيح له عليه، فلا يد له من مخصص مرجح. وأما الوجود والعدم فليسا متماثلين في أنفسهما، وإن كان الممكن يقبل الوجود ويقبل العدم، فليس وجوده مماثلا لعدمه، كتماثل الكفتين والوقتين، ولكن هما بالنسبة إليه جائزان، وهو قابل لهما.