الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله: (ليس فيه كذب إلا ما وضعوا فيه من أن العالم بأسره ممكن، فإن هذا ليس معروفا بنفسه. فأراد ابن سينا أن يعمم هذه القضية. ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة) .

فإنه يقول: أولئك أرادوا بالممكن المحدث، وليس من المعروف بنفسه أن العالم كله محدث، فأراد ابن سينا أن يجعل معنى الممكن هو ما له علة، حتى يبني على ذلك أن العالم كله ممكن وله علة قديمة أزلية.

وهذا القول الذي ذكره ابن سينا، يظن من أخذ الفلسفة من كلامه، أنه قول أرسطو وأتباعه، وليس كذلك. وإنما يذكر هذا عن برقلس. ولهذا قال: الباري جواد وعلة جوده هو ذاته، فيكون جوده دائما. وهذا يوافق قول ابن سينا، ولا يوافق قول أرسطو، فإن الأول عنده لا فعل له: لا جودا ولا غير جود، ولا إرادة، بل ولا يعلم ما سواه.

وقول ابن رشد: (إن كون العالم بأسره ممكن ليس معروفا بنفسه) . [ ص: 173 ]

فيقال له: إن سلم أنه ليس معروفا بنفسه، هو معروف بالأدلة الكثيرة الدالة على أن كل ما سوى الله ممكن: يقبل الوجود والعدم، بل إنه محدث وكل ما سواه فقير إليه، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن، وأنه ليس شيئا موجودا بنفسه غنيا عما سواه، قديما أزليا، إلا واحد. وأدلة ذلك مذكورة في مواضع، وحينئذ فيحصل بذلك المقصود.

لكن المتكلمون من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية ونحوهم، سلكوا في ذلك الاستدلال بأن ذلك لا يخلو عن الأعراض الحادثة، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها، فلزم بذلك أن الأول لم يزل غير متكلم بمشيئته وقدرته، ولا فاعل لشيء، بل ولا كان يمكنه أن يكون متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، بل هذا ممتنع، فلا يكون مقدورا، فيلزم أنه صار قادرا بعد أن لم يكن، وفاعلا، بل ومتكلما بمشيئته بعد أن لم يكن، وأن الفعل صار ممكنا بعد أن كان ممتنعا، من غير تجدد شيء أوجب انقلابه من الامتناع إلى الإمكان، إلى غير ذلك من اللوازم. كما قد بسط في موضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية