الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 151 ] قال فإن قيل: البرهان القاطع على استحالة علل إلى غير النهاية، أن يقال: كل واحدة من آحاد العلل، ممكنة في نفسها أو واجبة؟ فإن كانت واجبة لم تفتقر إلى علة. وإن كانت ممكنة فالكل موصوف بالإمكان، وكل ممكن فيفتقر إلى علة زائدة على ذاته، فيفتقر الكل إلى علة زائدة على ذاته، فيفتقر الكل إلى علة خارجة عنها.

قلنا: لفظ الممكن والواجب لفظ مبهم، إلا أن يراد بالواجب ما لا علة لوجوده، ويراد بالممكن ما لوجوده علة، فإن كان المراد هذا، فلنرجع إلى هذه اللفظة، ونقول: كل واحد ممكن: على معنى أن له علة زائدة على ذاته، والكل ليس بممكن: على معنى أنه ليس له علة زائدة على ذاته خارجة منه، وإن أريد بلفظ الممكن غير ما أردناه، فهو ليس بمفهوم) . [ ص: 152 ]

قال: (فإن قيل: فهذا يؤدي إلى أن يتقوم واجب الوجود بممكنات الوجود، وهو محال.

قلنا: إن أردتم بالواجب والممكن ما ذكرناه، فهو نفس المطلوب، فلا نسلم أنه محال. وهو كقول القائل: يستحيل أن يتقوم القديم بالحوادث، والزمان عندهم قديم، وآحاد الذوات حادثة، وهي ذات أوائل، والمجموع لا أول له، فقد تقوم ما لا أول له بذوات أوائل، وصدق ذوات أوائل على الآحاد، ولم يصدق على المجموع.

وكذلك يقال على كل واحد: إن له علة، ولا يقال: للمجموع علة، وليس كل ما صدق على الآحاد يلزم أن يصدق على المجموع، إذ يصدق على كل واحد أنه واحد، وأنه بعض، وأنه [ ص: 153 ] جزء ولا يصدق على المجموع وكل واحد حادث بعد أن لم يكن، أي: له أول، والمجموع عندهم ما ليس له أول.

فتبين أن من يجوز حوادث لا أول لها، وهي صور العناصر الأربعة المتغيرات، فلا يتمكن من إنكار علل لا نهاية لها، ويخرج من هذا أنه لا سبيل لهم إلى الوصول إلى إثبات المبدأ الأول لهذا الإشكال، وخرج قولهم إلى التحكم المحض.

التالي السابق


الخدمات العلمية