وأما فأراد قوله: (ليس فيه كذب إلا ما وضعوا فيه من أن العالم بأسره ممكن، فإن هذا ليس معروفا بنفسه. أن يعمم هذه القضية. ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة) . ابن سينا
فإنه يقول: أولئك أرادوا بالممكن المحدث، وليس من المعروف بنفسه أن العالم كله محدث، فأراد أن يجعل معنى الممكن هو ما له علة، حتى يبني على ذلك أن العالم كله ممكن وله علة قديمة أزلية. ابن سينا
وهذا القول الذي ذكره يظن من أخذ الفلسفة من كلامه، أنه قول ابن سينا، أرسطو وأتباعه، وليس كذلك. وإنما يذكر هذا عن برقلس. ولهذا وهذا يوافق قول قال: الباري جواد وعلة جوده هو ذاته، فيكون جوده دائما. ولا يوافق قول ابن سينا، أرسطو، فإن الأول عنده لا فعل له: لا جودا ولا غير جود، ولا إرادة، بل ولا يعلم ما سواه.
وقول (إن كون العالم بأسره ممكن ليس معروفا بنفسه) . [ ص: 173 ] ابن رشد:
فيقال له: إن سلم أنه ليس معروفا بنفسه، هو وأدلة ذلك مذكورة في مواضع، وحينئذ فيحصل بذلك المقصود. معروف بالأدلة الكثيرة الدالة على أن كل ما سوى الله ممكن: يقبل الوجود والعدم، بل إنه محدث وكل ما سواه فقير إليه، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن، وأنه ليس شيئا موجودا بنفسه غنيا عما سواه، قديما أزليا، إلا واحد.
لكن المتكلمون من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية ونحوهم، سلكوا في ذلك الاستدلال بأن ذلك لا يخلو عن الأعراض الحادثة، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها، فلزم بذلك أن الأول لم يزل غير متكلم بمشيئته وقدرته، ولا فاعل لشيء، بل ولا كان يمكنه أن يكون متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، بل هذا ممتنع، فلا يكون مقدورا، فيلزم أنه صار قادرا بعد أن لم يكن، وفاعلا، بل ومتكلما بمشيئته بعد أن لم يكن، وأن الفعل صار ممكنا بعد أن كان ممتنعا، من غير تجدد شيء أوجب انقلابه من الامتناع إلى الإمكان، إلى غير ذلك من اللوازم. كما قد بسط في موضعه.