وإذا قيل: إنه قامت به إرادات متعاقبة، كما قاله وأن بسبب بعض تلك الإرادات حدثت الحوادث، كان ذلك وفاء بموجب دليلهم، إذ موجبه أنه يمتنع كونه يصير فاعلا بعد أن لم يكن، والمثبت لمطلق الفعل لا يثبت فعلا معينا ولا مفعولا معينا، فضلا عن أن يثبت عموم الفعل والمفعول. [ ص: 285 ] الأبهري،
بل والإحداث من غيره ممتنع بوسط أو بغير وسط، فلا يحدث حادث إلا منه، سواء كان بوسط كالعقول أو بغير وسط، فلو كان المؤثر كما زعموه، من أنه واحد بسيط لا تقوم به صفة ولا أمر اختياري، لكان حاله عند هذه الحوادث كحاله قبلها وبعدها. الذي يدل على فساد قولهم أنا قد علمنا بالمشاهدة والإحساس تجدد الحوادث في العالم، وقد امتنع أن يكون في الأزل مؤثرا تاما فيها، فلا بد من حدوث تمام المؤثرية لكل واحد منها،
وهكذا الأمر في كل حال، وهو قبل حدوث الحادث المعين لم يكن علة تامة، فعنده يجب أن لا يكون علة تامة، فلا يجوز أن يحدث شيء على موجب أصولهم.
وإذا قالوا: حدث من الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية ما أعدت القوابل لقبول فيضه.
قيل لهم: هذا إنما يصح إذا كانت القوابل والاستعدادات من غير الفاعل الممد، كما في الشمس، وكما يقولونه في العقل الفعال. فأما الباري تعالى فمنه الإعداد والإمداد، وكل ما سواه من القوابل والمقبولات، والاستعدادات والإمدادات، فمنه لا من غيره، سواء كان بوسط أو بغير وسط. [ ص: 286 ]
وإذا كان كذلك، وكان حاله قبل إحداث كل حادث، كحاله قبل ذلك الحادث، امتنع أن يحدث منه شيء أصلا: لا قابل ولا مقبول، ولا استعداد ولا إمداد. فهم وإن أثبتوا أنه لم يزل فاعلا، فقولهم يوجب أنه لم يحدث شيئا قط، بل ولا فعل شيئا قط، بل حدثت الحوادث بلا محدث، فعلم أنه باطل.
وليس في قولهم ما يوجب قدم شيء من العالم، فقولهم بقدمه باطل. ولهذا لم يحفظ القول بقدم الأفلاك عن أساطين الفلاسفة، بل أول من حفظ ذلك عنه أرسطو وأتباعه. وأما أساطين القدماء، فالمنقول عنهم حدوث الأفلاك، فهم قائلون بحدوث صورة العالم، ولهم في المادة كلام فيه اضطراب. فالنقل الثابت عن أعيانهم بحدوث العالم، موافق لما أخبرت به الرسل صلوات الله عليهم.