ومن دخل في ذلك المصدر الذي هو علمه، وأفعال العباد مخلوقة، ولو قال: أردت به أن القرآن المتلو غير مخلوق، لا نفس حركاتي. قيل له: لفظك هذا بدعة، وفيه إجمال وإيهام، وإن كان مقصودك صحيحا كما يقال للأول إذا قال: أردت أن فعلي مخلوق: لفظك أيضا بدعة، وفيه إجمال وإيهام وإن كان مقصودك صحيحا. قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، أو تلاوتي
فلهذا منع أئمة السنة الكبار إطلاق هذا وهذا، وكان هذا وسطا بين الطرفين، وكان أحمد وغيره من الأئمة يقولون: القرآن حيث تصرف كلام الله غير مخلوق، [ ص: 266 ] فيجعلون القرآن نفسه حيث تصرف غير مخلوق، من غير أن يقترن بذلك ما يشعر أن أفعال العباد وصفاتهم غير مخلوق.
وصارت كل طائفة من النفاة والمثبتة في مسألة التلاوة تحكي قولها عن وهم ـ كما ذكر أحمد، في كتاب خلق الأفعال، وقال: إن كل واحدة من هاتين الطائفتين تذكر قولها عن البخاري وهم يفقهون قوله لدقة معناه. أحمد
ثم صار ذلك التفرق موروثا في أتباع الطائفتين، فصارت طائفة تقول: إن اللفظ بالقرآن غير مخلوق، موافقة لأبي حاتم الرازي ومحمد بن داود المصيصي وأمثالهما وأهل بيته، كأبي عبد الله بن منده وأبي عبد الله بن حامد، وأبي نصر السجزي، وأبي إسماعيل الأنصاري، وأبي يعقوب الفرات الهروي وغيرهم.
وقوم يقولون نقيض هذا القول من غير دخول في مذهب [ ص: 267 ] ابن كلاب.
مع اتفاق الطائفتين على أن القرآن كله كلام الله، لم يحدث غيره شيئا منه، ولا خلق منه شيئا في غيره: لا حروفه، ولا معانيه ـ مثل حسين الكرابيسي وأمثالهما. وداود بن علي الأصبهاني
وحدث مع هذا من يقول بقول إن كلام الله معنى واحد قائم بنفس المتكلم، هو الأمر بكل ما أمر به، والنهي عن كل ما نهى عنه، والإخبار بكل ما أخبر به، وإنه إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن، وإن عبر عنه بالعبرية كان هو التوراة. ابن كلاب: