الوجه العاشر: أن يقال: قوله: فإذا حصلت تلك الصورة بوجه آخر غير الحلول فيك، حصل التعقل من غير حلول فيك.
ومعلوم أن حصول الشيء لفاعله، في كونه حصولا لغيره، ليس دون حصول الشيء لقابله.
فيقال: حصول الشيء لغيره بدون حلول فيه لفظ مجمل.
قد يراد به حصوله في ملكه، وقد يراد به حصوله عنده وفي يده. وقد يراد به حصوله لينتفع به بوجه معاونا له ومشاركا.
فإنه يقال لك: هذا المال، وهذه الدار، وهذا المملوك. ويقال: حصل لك هذا لتستعيره أو تستأجره. وقد يقال: حصلت لك هذه المرأة لتتزوجها، وهذا الرفيق أو الشريك لترافقه وتشاركه، وحصل لك هذا المعلم لتتعلم منه، وحصل لك هذا العدو في يديك وقبضتك، وأمثال ذلك.
ومعلوم أنه ليس في هذه الأنواع من الحصول، ما يوجب أن يكون هذا الحصول موجبا للعلم بدون شعور يقوم بالعالم، بل إن لم يقم بالحي شعور قائم بنفسه بما حصل له، وإلا لم يكن شاعرا بها. وعاقلا له؟ [ ص: 65 ] والشعور أول درجات العلم والعقل، فمن لم يكن شاعرا بالشيء كيف يكون عالما به
فقوله: إذا حصلت تلك الصورة بوجه غير الحلول فيك، حصل التعقل من غير حلول فيك. كلام لا دليل عليه، وهو باطل. ويكفيه المنع المجرد، وهو أن يقال: لا نسلم أن الحصول الخالي عن حلول، يكون تعقلا من غير حلول، أو يوجب التعقل من غير حلول. ونعني بالحلول ما بيناه من حلول نفس الشعور بالشاعر، سواء كان هناك صورة عقلية أو لم يكن، فكيف وقد رأينا الحصول من غير شعور لا يكون علما في عامة أنواع الحصول؟