الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال الطوسي في شرح كلام ابن سينا: قوله: الأشياء الجزئية قد تعقل، كما تعقل الكليات، إشارة إلى إدراكها من حيث هي طبائع مجردة عن المخصصات المذكورة، وقيدها بقوله: من حيث تجب بأسبابها ليكون الإدراك لتلك الأشياء، مع كونه كليا يقينيا، غير ظني.

ثم قال: منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه: أي منسوبة إلى مبدأ، طبيعته النوعية موجودة في شخصه ذلك، لا أنها غير موجودة في غير ذلك الشخص، بل مع تجويز أنها موجودة في غيره.

والمراد أن تلك الأشياء إنما تجب بأسبابها، من حيث هي طبائع أيضا.

ثم قال: "تتخصص به" أي تتخصص تلك الجزيئات بطبيعة ذلك المبدإ، وإنما نسبها إلى مبدأ كذلك؛ لأن الجزئي، من حيث هو [ ص: 175 ] جزئي، لا يكون معلولا لطبيعة غير جزئية، ولا الطبيعة علة له من حيث هو كذلك.

قال: وقوله: إن العاقل لأن بين كون القمر في موضع كذا إلى آخره، معناه: أن من يعقل أن بين كون القمر في أول الحمل مثلا، وبين كونه في أول الثور يكون كسوف معين في وقت محدود من زمان كونه في أول الحمل، كالوقت الذي سار فيه القمر من أول الحمل عشر درجات، فإنما يكون تعقل ذلك العاقل لهذه الأمور أمرا ثابتا قبل وقت الكسوف ومعه وبعده.

فيقال له: هذا الذي تصور هذا الكسوف تصور أنه يكون في عام معين، أو تصوره مطلقا، كتصوره أنه إذا كان في عشر درجات من الحمل، مع أمور أخرى، يكون كسوف. فإن كان الأول، فذاك كسوف جزئي معين. وتصوره يكون قبله ومعه وبعده. وإن كان الثاني، فهذا يكون محققا تارة، ومقدرا أخرى. أما المقدور، فأن يعلم أنه كلما حصل القمر في موضع كذا، والشمس في موضع كذا، حال القمر بين نور الشمس وبين الناس فانكسفت. ولكن هذا ليس فيه علم بوقوعه لا مطلقا ولا معينا. [ ص: 176 ]

والثاني أن يعلم أنه لا بد أن تقع هذه المحاذاة بين الأرض والقمر والشمس، وإنما تقع إذا كان كذا. فهذا علم كلي، لا يعلم به شيء من الكسوف الموجود.

ثم يقال: والعلم بهذا ممتنع، إن لم يعلم الكسوفات الجزئية. وذلك أن أسباب الكسوفات حركات أجسام معينة في أوقات محدودة. والعلم بمجموع ذلك يوجب العلم بكل كسوف جزئي، والعلم به قبل وقوعه ومع وقوعه وبعد وقوعه، فلا يتصور مع العلم بأسباب الحوادث، أن يعلم علم كلي، إلا وتعلم الجزيئات الواقعة، وإلا فلا يكون العلم بجميع الأسباب حاصلا.

ولهذا لما كنا لا نعلم عامة الأسباب لم نعلم ما يكون، وإذا علمنا أسباب شيء، علمنا وقوعه قبل وقوعه ومعه وبعده، كمن علم أنه سيبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه يبعث إذا كانت أمور، فإذا علم أنها لم تكن، علم أنه لم يبعث، وإن علم أنها كانت، علم أنه بعث.

التالي السابق


الخدمات العلمية