الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحجج العقلية إنما تعتبر فيها المعاني لا الألفاظ. والحجج السمعية يعتبر فيها كلام المعصوم. وليس في كلام الله ورسوله، ولا الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ما ينفي هذا المعنى الذي سموه تركيبا وتغيرا، بل النصوص المتواترة التي جاءت بها الأنبياء عن الله، كلها تدل على إثبات ما نفوه من هذه المعاني، ولو لم يكن إلا إثبات علمه بكل شيء علما مفصلا. [ ص: 186 ]

وهذا القرآن فيه من إخبار الله بالأمور المفصلة عن الشخص المعين، وكلامه المعين، وفعله المعين، وثوابه وعقابه المعين، مثل قصة آدم، ونوح، وهود، وصالح، وموسى، وغيرهم. ما يبين أنهم من أعظم الناس تكذيبا لرسل الله تعالى.

وكذلك أخباره عن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى ببدر، وأحد، والأحزاب، والخندق، والحديبية، وغير ذلك من الأمور الجزئية أقوالا وأفعالا.

وإخباره أنه يعلم السر وأخفى، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما تنقص الأرض من الموتى وعنده كتاب حفيظ، وأنه يعلم ما في السماوات والأرض، وأن ذلك في كتاب.

وأنه ما: تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [الأنعام: 59].

وأنه يعلم ما: تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة [الرعد: 8-9].

وأنه: عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام [لقمان: 34].

وأنه: قضى أجلا وأجل مسمى عنده [الأنعام: 2].

وأنه: يعلم ما يسرون وما يعلنون [النحل: 23].

وأنه: أعلم بما يقولون [طه: 104].

إلى أمثال ذلك مما يطول ذكره في كتاب الله تعالى. [ ص: 187 ]

ثم من أعظم الضلال والجهل أن ينفي النافي علم رب العالمين بمخلوقه، لكون ذلك يستلزم ما يسمونه تغيرا وحلول حوادث.

ثم نفي هذا المعنى لم يذهب إليه أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، وإنما يوافقهم عليه الجهمية.

ومن تلقاه عن الجهمية من الكلابية ونحوهم، فلا يقر بنفي ذلك إلا من هو من أهل الكلام المبتدع المذموم المحدث في الإسلام، ومن تلقاه عنهم جهلا بحقيقته ولوازمه.

وإذا كان علم الرب مستلزما لهذا، كان هذا من أعظم البراهين على ثبوته، وخطإ من نفاه شرعا وعقلا، فإنه قد علم بالاضطرار من دين الرسول إثبات العلم بكل شيء من الأعيان.

فإذا تبين بصريح العقل أن ذلك يستلزم قيام هذه المعاني بالرب، لزم القول بذلك، كيف والقرآن قد دل على أنه يعلم الشيء بعد كونه، مع علمه بأن سيكون، في بعض عشرة آية، وقد ثبت بالدلائل اليقينية أنه يعلم كل ما فعله، وأنه بكل شيء عليم. وهو مقتضى حجتهم.

وأما زعمهم مع هذا أنه يعلم الكسوف، وجميع صفاته وعوارضه.

فيقال لهم: إن كان لا يعلم إلا كسوفا كليا، لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، فهو لم يعلم شيئا من الكسوفات الموجودة. وإن علم الكسوف الموجود، فكل منها جزئي فلا يتصور أن يعلم الكسوف، إلا مع علمه بالكسوفات الجزئية.

التالي السابق


الخدمات العلمية