وهكذا ينبغي أن يفهم في الأول عند الفلاسفة، فهو عندهم: عالم مريد عن علمه ضرورة. ثبوت الإرادة
وقال أيضا: وأما قول ابن رشد إن الفعل قسمان: إما طبيعي وإما إرادي -فباطل. أبي حامد:
بل فعله عند الفلاسفة: لا طبيعي بوجه من الوجوه، ولا إرادي بإطلاق. بل إرادي منزه عن النقص الموجود في إرادة الإنسان.
وكذلك اسم الإرادة مقول عليهما باشتراك الاسم.
كما أن اسم العلم كذلك على العلمين: القديم والحادث، فإن الإرادة في الحيوان والإنسان انفعال لاحق له عن المراد، فهي معلولة عنه. [ ص: 143 ]
هذا هو المفهوم من إرادة الإنسان، والباري سبحانه منزه عن أن يكون فيه صفة معلولة، فلا يفهم من معنى الإرادة إلا صدور الفعل مقترنا بالعلم، وأن العلم، كما قلناه، يتعلق بالضدين، ففي العلم الأول، بوجه ما، علم بالضدين، ففعله أحد الضدين دليل على أن هنا صفة أخرى، وهي التي تسمى إرادة.
قلت: يتعصب للفلاسفة، فحكايته عنهم أنهم يقولون: إنه مريد، كحكايته عنهم إنهم يقولون: إنه عالم بالمخلوقات. ولا ريب أن كلاهما قول طائفة منهم. وأما نقل ذلك عن جملتهم، أو المشائين جملة، فغلط ظاهر. ولكن الذي انتصر لثبوت هذا وهذا انتصارا ظاهرا ابن رشد أبو البركات ونحوه، وهو إثبات ذلك دونه، وابن رشد دونهما. وابن سينا
ولا ريب أن كلام أرسطو في الإلهيات كلام قليل، وفيه خطأ كثير، بخلاف كلامه في الطبيعيات فإنه كثير، وصوابه فيه كثير.
وهؤلاء المتأخرون وسعوا القول في الإلهيات، وكان صوابهم فيها أكثر من صواب أوليهم لما اتصل إليهم من كلام أهل الملل وأتباع الرسل، وعقول هؤلاء وأنظارهم في الإلهيات، فإن بين كلام هؤلاء في الإلهيات وكلام أرسطو وأمثاله تفاوتا كثيرا. [ ص: 144 ]
والمقصود أن ما ذكره من أنه إنما يلزم العلم بالفعل في الفعل الإرادي فكلام صحيح، وهذا يدل على أن الفعل إذا كان إراديا، لزم كون الفاعل عالما بفعله، فنستدل بكونه مريدا على كونه عالما، وهو استدلال صحيح، ويقتضي أنه إذا قدر نفي اللازم، وهو العلم، انتفت الإرادة، وهو أيضا صحيح. أبو حامد