الجهمية وعبادهم وصوفيتهم إنما يتكلمون بالحلول. وإلا فالنفي العام لا تقبله غالب العقول، وإنما يقوله من يقوله من متكلمتهم. وجمهور
وهؤلاء يخضعون لأرباب الأحوال والعبادات والمعارف من الجهمية الحلولية، ولا يمكنهم الإنكار عليهم بحجة ظاهرة، ويد مبسوطة، بل إما أن يكونوا مقصرين معهم في الحجة، وإما أن يكونوا مقهورين معهم بالحال والعبادة والمعرفة؛ لأن أولئك في قلوبهم تأله ووجد [ ص: 289 ] وذوق، وهؤلاء بطالون قساة القلوب؛ لأن القلب لا يتوجه بالقصد والعبادة إلى العدم والنفي، وإنما يتوجه إلى أمر موجود.
ولهذا الجهمية النفاة داخلين في نوع من الشرك؛ إذ كل معطل مشرك، وليس كل مشرك معطلا. كانت والجهمية قولهم مستلزم للتعطيل، ففيهم شرك. وقد يكون الشرك فيمن ليس منهم؛ إذ إخلاص الدين لله مستلزم لإثباته، وليس إثباته مستلزما للإخلاص، فمن أثبت شيئا من الحقائق مستغنيا عن الله كاستغناء الألوان في أنفسها عن النور، أمكنه أن يقول: هو بالنسبة إلى تلك الأمور كالنور بالنسبة إلى اللون؛ إذ قد تظهر به تلك الأمور، كما ظهر اللون لنا بالنور.