عبد العزيز: وهذا الفعل صفة لله، ليس من المخلوقات المنفصلة عنه، والله يقدر عليه، ولا يمنعه منه مانع، فأما قول القائل: "إن ذلك الفعل الذي لم يكن ثم كان بالقدرة وهو صفة" فإنه يسأل عن سبب حدوثه، كما يسأل عن سبب حدوث المخلوق به. قال
فيجيب عنه عبد العزيز بأجوبة.
أحدها: الجواب المركب وهو أن يقول: تسلسل الآثار الحادثة إما أن يكون ممكنا وإما أن يكون ممتنعا، فإن كان ممكنا فلا محذور في التزامه، وإن كان ممتنعا لم يلزمني ذلك، ولا يلزم من بطلان التسلسل بطلان الفعل الذي لا يكون المخلوق إلا به، فإنا نعلم أن المفعول المنفصل لا يكون إلا بفعل، والمخلوق لا يكون إلا بخلق، قبل العلم بجواز التسلسل أو بطلانه، ولهذا مثل كثير من أصحاب كان كثير من الطوائف يقولون: الخلق غير المخلوق، والفعل غير المفعول، فيثبتون ذلك مع إبطال التسلسل، أبي حنيفة ومالك وأحمد، ومن الصوفية [ ص: 262 ] وأهل الحديث والكلام من والشافعي الكرامية والمرجئة والشيعة وغيرهم، وهؤلاء منهم من يقول: الفعل الذي هو التكوين قديم، والمكون المنفصل حادث، كما يقولون مثل ذلك في الإرادة، ومنهم من يقول: بل ذلك حادث الجنس بعد أن لم يكن، وكلا الفرقين لا يقولون: إن ذلك مخلوق، بل يقولون: إن المخلوق وجد به كما وجد بالقدرة.
الجواب الثاني: أن يقول: ما ذكرته من التسلسل لازم لكل من قال: إن جنس الحوادث يكون بعد أن لم يكن، فهو لازم لك ولي إذا قلت بهذا، فلا أختص بجوابه، وأما وجود المفعول بدون فعل: فهذا لازم لك وحدك، وهو الذي احتججت به عليك، فحجتي عليك ثابتة تبطل قولك دون قولي. والإلزام الذي ذكرته أنت مشترك بيني وبينك، فلا يخصني جوابه.
الجواب الثالث: أن يقول: أنا قلت: الفعل صفة، والله يقدر عليه، ولا يمنعه منه مانع، والفعل القائم به ليس هو المخلوق المنفصل عنه، وإنما يجب أن يكون المخلوق معه في الأزل إذا ثبت أن الفعل يستلزم فعلا قبله، وأن الفعل اللازم يستلزم ثبوت الفعل المتعدي إلى المخلوق، فإن ذلك يستلزم ثبوت غير المخلوق.
وكل هذه المقدمات فيها ممانعات ومعارضات، وتحتاج إلى حجج لم [ ص: 263 ] يذكر منها شيئا، المريسي وعبد العزيز لم يلتزم شيئا من ذلك، وإنما التزم أن الفعل صفة لله تعالى، والله يقدر عليه، ولا يمنعه منه مانع، وحجته يحصل بها المقصود.