وقوله في النسخة الأخرى - إن صح عنه: "إنما قلت لم يزل الفاعل سيفعل، والخالق سيخلق" قد نفى فيه أن يكون نفس الفعل قديما، فضلا عن أن يكون المفعول قديما.
وقوله: "إن الفعل صفة لله، والله يقدر عليه، لا يمنعه منه مانع" يمنع قدم عين الفعل، لا يمنع قدم نوعه، إلا أن يثبت امتناع تسلسل الآثار، وليس في كلامه تعرض لنفي ذلك ولا إثباته.
وقوله: "لم يزل سيفعل" إن صح عنه يحتمل معنيين: أحدهما: أنه لم يزل موصوفا بأنه سيفعل ما يفعله من جميع المفعولات أعيانها وأنواعها، كما يقوله من يقول بحدوث نوع الفعل القائم به كما يقوله من يقول بحدوث أنواع المنفصلات عنه.
والثاني: أنه لم يزل الفاعل سيفعل شيئا بعد شيء، فهو متقدم على كل واحد واحد من أعيان المفعولات.
فعلى الأول يمتنع أن يكون شيء من أنواعها أو أعيانها قديما، وعلى [ ص: 264 ] الثاني لا يمتنع تقدم الأنواع، بل قد يمتنع تقدم أعيان المخلوقات، فلا يكون شيء من المخلوقات مع الله في الأزل على التقديرين.
وجماع ذلك: أن الذي ألزمه عبد العزيز لازم له، مبطل لقوله بلا ريب، وعليه جمهور الناس، للمريسي وهذا قول جماهير الفقهاء من أصحاب فإن جماهير الناس يقولون: الخلق غير المخلوق، والفعل غير المفعول، أبي حنيفة ومالك والشافعي وجماهير الصوفية وجماهير أهل الحديث، بل كلهم، وكثير من أهل الكلام والفلسفة أو جماهيرهم، فهو قول أكثر وأحمد المرجئة من الكرامية وغيرهم، وأكثر الشيعة، وكثير من المعتزلة والكلابية، وكثير من الفلاسفة، ولأصحاب مالك والشافعي في ذلك قولان، فالذي عليه أئمتهم: أن الخلق غير المخلوق، وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى وقول جمهور أصحاب وأحمد وهو الذي حكاه أحمد، البغوي عن أهل السنة، وهو قول كثير من الكلابية.