وقال بعد ذلك: باب ما جاء في قول الله تعالى: كل يوم هو في شأن [ سورة الرحمن: 29] وقال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث [ سورة الأنبياء: 2] وقوله تعالى: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ سورة الطلاق: 1]، وإن لقوله تعالى: حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ سورة الشورى: 11] وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وقول ابن [ ص: 301 ] عباس: كتابكم أحدث الأخبار بالرحمن عهدا، محضا لم يشب. إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث: أن لا تكلموا في الصلاة"
ومن تدبر كلام أئمة السنة المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرا، وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأن أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتناقض، والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول، فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب وقد قال تعالى: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [ سورة البقرة: 176].
ولهذا قال في أول خطبته فيما أخرجه في الرد على الزنادقة والجهمية "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على [ ص: 302 ] الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه؟ وكم من ضال تائه قد هدوه؟ فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم!. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين". الإمام أحمد