الوجه الثامن عشر: قوله في العلامة: «يحتمل أن تكون العلامة كونه تعالى في حقيقته مخالفا للجواهر والأعراض» يقال له: قد صرح في حديث جابر: «فيتجلى لهم ضاحكا» ومع تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة التي أخبر بها بذلك يمتنع أن يكون هو ما ذكره هؤلاء.
الوجه التاسع عشر: أن كونه مخالفا للجواهر والأعراض ما ينافي إتيانه في الصورة أولا وآخرا، فلو كان ذلك هو العلامة لامتنع أن ينكروه ثم يعرفوه لا سيما وهو قد قال: إن الصورة التي أتاهم فيها ثانية هو ما يحدثه من إحسانه، وذلك أمر لا يتعرض بحقيقة، بل تلك المخلوقات مع قوله: «أنا ربكم» مثل الملك مع قوله: «أنا ربكم» لكن الملك حي وتلك النعم ليست حية، ولكن يجوز إنطاق الجامدات.
الوجه العشرون: أن عرصة القيامة لا سيما قبل جواز الصراط ليس هو محل الجزاء بالإنعام والإحسان، وإنما هو مقام الامتحان، فتفسير إتيان الله في الصورة التي يعرفون بالإحسان [ ص: 99 ] مناقض لذلك.
الوجه الحادي والعشرون: أنه قال: فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيسجدون له، فإن كانت تلك العلامة كونه مخالفا للجواهر والأجسام لزم أن يكون في نفسه على صورة يخالف الجواهر والأجسام، ويدل على ذلك دليلا مستقلا أنه قال في حديث أبي هريرة: «فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا».
وقال في حديث فيقول: أبي سعيد إلى آخره، فجعل الصورة التي يعرفون هي الصورة التي ظهرت بالعلامة وهي التي يسجدون لها. «هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقه»
الوجه الثاني والعشرون: أن هذه المعرفة حصلت برؤيتهم، ومعلوم أن كون الشيء مخالفا لغيره إذا عرف بالرؤية إنما يفيد أنه مخالف لما رؤي، فأما ما لم ير فقد تشترك أشياء في كونها مخالفة لما رؤي، فيجوز أن يكون المتجلي لهم أشياء ليست مثل ما رأوه من الجواهر والأجسام، وإن كانت مخلوقات أيضا.
فإن قيل: المراد أنه ليس بجوهر ولا جسم، قيل: هذا أمر [ ص: 100 ] عدمي والأمور العدمية لا في العقل ولا في الحس، فظهر أن هذا فاسد.