قال الرازي: وأما قوله: فإن صح فالمراد ما أوصل إلى قلبه من أنواع اللطف والرحمة، فالكلام عليه من وجوه: «بين كتفي»
أحدها: أن هذا كسائر ألفاظ الحديث، فلا معنى لتخصيصه بالتعليق دون سائر ألفاظ الحديث، وإن قال: لفظ اليد ثابت في القرآن والأحاديث المتواترة، يقال له: لكن ليس في ذلك لفظ وضع يده بهذا اللفظ في هذا الحديث.
الوجه الثاني: أنه قد تقدم أن هذا اللفظ ثابت في هذا الحديث، وأن ذلك كان في المنام.
الثالث: قوله «فالمراد ما أوصل إلى قلبه من أنواع اللطف والرحمة» يقال له: لا ريب أن في ذلك الحديث [ ص: 379 ] «فتجلى لي ما بين السماء والأرض» ولا ريب أن هذا من آثار هذا الوضع، فإنه من الموجود في الشاهد أن الإنسان يضع صدره أو يده على صدر الإنسان أو على ظهره، فيجد في قلبه من الآثار بحسب ما يناسب حاله وحال الواضع، كما في صحيح عن مسلم قال: أبي بن كعب فرددت إليه: أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هون على أمتي، فرد إلي: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي» إني أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فهنا كان الضرب بيده على صدره لزجره، وإخراج ما في قلبه من الشك، وقد كانت يده المباركة يضعها في الماء فيفور الماء من بين أصابعه. «كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن قراءتهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، فكأني أنظر إلى الله فرقا [ ص: 380 ] فقال:
[ ص: 381 ] وفي الصحيحين في حديث بدء الوحي لما جاءه جبريل فقال: «اقرأ قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني».
والغط شبيه الخنق، وهو مماسة له، وأنه قال له: «فيم يختصم الملأ الأعلى، أي [ ص: 382 ] يختصمون» فقال: «لا أدري» ثم وضع يده بين كتفيه حتى وجد برد أنامله على صدره؛ ليعلمه هو ما لم يعلم؛ ولهذا قال: «تجلى لي عقيبها ما بين السماء والأرض» فالتجلي والعلم أثر وضع يده بين كتفيه لا أنه هو نفس ما بين الكتفين، ولا أنه نفس وضع اليد. فرؤيته صلى الله عليه وسلم ربه في المنام،
الرابع: أن تسمية ما بين الكتفين باللطف والرحمة لا يدل عليه اللفظ لا حقيقة ولا مجازا.
الخامس: أنه إما أن يقول: إن وصول اللطف والرحمة إلى قلبه هو معنى قوله: «بين كتفي» أو معنى قوله: فإن كان الأول فاللفظ المفرد المجرد كيف يدل على معنى الجملة؟ وما وجه ذلك؟ وإن كان الثاني فيكون هذا تأويل قوله: «فوضع يده بين كتفي» ويكون ما تقدم من الوجهين في تأويل «فوضع يده» باطلين؛ لأن هذا يكون هو معنى الجملة. «فوضع يده بين كتفي»