ومن أن كلا منهما لا يجوز تأخيرها عن [ ص: 307 ] وقتها بحال ولا لسبب من الأسباب، كما تؤخر الظهر [إلى العصر] ، والمغرب إلى العشاء للعذر، ولهذا خصهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: خصائص هاتين الصلاتين إذ سائر الصلوات لا تحتاج إلى مثل هذا. فهذه صلاة النهار لا تؤخر إلى الليل، وتلك صلاة ليل من بعض الوجوه لأجل الجهر فيها، وصلاة نهار من بعض الوجوه لكونها بعد طلوع الفجر، وإن كانت معدودة من صلوات النهار كما قد نص عليه "من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك"، وغيره، لكن فيها شبه من صلاة الليل. وذلك أن لفظ "الليل" "والنهار" فيهما اشتراك، فقد يراد في الشريعة بالنهار ما أوله طلوع الفجر، كقوله: أحمد وأقم الصلاة طرفي النهار الطرف الأول فيه صلاة الفجر، وهذا هو المعروف في باب الصيام، إذ [إنا] نصوم النهار ونقوم الليل، فصيام النهار أوله طلوع الفجر، وقد يراد بالنهار ما أوله طلوع الشمس، كما يجيء في الحديث: فعل كذا نصف النهار، ولما انتصف النهار، وقبل نصف النهار، فأراد نصف النهار الذي أوله طلوع الشمس، إذ زوال الشمس منتصف هذا النهار، لا منتصف النهار الذي أوله طلوع الفجر. وقيام الليل ينتهى بطلوع الفجر.
فلهذا كان وقت الفجر فيه اشتراك بين الليل والنهار، وإن كانت الفجر معدودة من صلوات النهار، وهذا مما قيل في معنى توسطها، قالوا: لأنها بين صلاتي الليل وصلاتي نهار، وهو معنى مناسب، لكن العصر أحق بالتوسط كما دل عليه الأحاديث، وكما قال من قال من [ ص: 308 ] السلف لمن سأله عن ذلك وقيل له، فأومأ بأصابعه، فأشار بالخنصر وقال: هذه الفجر، وأشار إلى البنصر وقال: هذه الظهر، وأشار بالوسطى إلى العصر وقال: هذه العصر، وأشار إلى المغرب وقال: هذه السباحة، ولأنها وتر، والسباحة تشير بالتوحيد، وأشار إلى الإبهام وقال: هذه العشاء. وهذا صحيح، فإن أول الصلوات هي الفجر، وهي ركعتان، لتنتقل النفس منها على التدريج إلى ما هو أكثر منها، ولهذا قدمها في الترتيب بعض المصنفين، وذلك أحسن ممن قدم الظهر، فإن الذين قدموا الظهر اتبعوا ما فعله جبريل والنبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمه وأقام له مواقيت الصلوات. والذين قدموا الفجر تبعوا فيها الأحاديث الثابتة الصحيحة، مثل حديث بريدة وحديث وأبي موسى ابن عمرو -إن ثبت-، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ فيها بالفجر في قوله وفعله. وأبي هريرة